فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلهن هذا كفراً لتغطيتهن به الإحسان الذي قد تقدم إليهنّ.
ومثله أيضاً ما روي عن ابن عباس قال: كان بين الأوس والخزرج شيء في الجاهلية، فتذاكروا ما كان بينهم، فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف، فأتى رسول الله عليه السلام، فذكر ذلك له، فذهب إليهم، فنزلت هذه الآية: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ. . . . وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} آل عمران:١٠١ - ١٠٣. (١)
فلم يكن بما كان منهم من القتال مما أنزل الله تعالى عنده هذه الآية التي ذكر فيها ما كان منهم بالكفر على الكفر بالله تعالى، ولكن كان على تغطيتهم ما كانوا عليه قبل ذلك من الأُلفة والأخوة، حتى إذا كان منهم ما كان منهم من ذلك، فسمي كفراً لا يراد به الكفر بالله عز وجل، ولكن الكفر الذي ذكرناه سواه.
ومثل ذلك ما قد روي عن ابن عباس في تأويله قول الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} المائدة:٤٤ .. قال: هي كُفرُه وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر.
(شرح مشكل الآثار - ٢/ ٣١٢ - ٣١٧)
الدراسة
بين الإمام الطحاوي أن المراد بقوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} آل عمران:١٠١:
أي: كيف تغطون ما أنعم الله به عليكم من الأخوة والمودة فيه. وذلك بدلالة سبب نزول الآية.
وليس المراد: الكفر بالله جل وعلا، الذي هو إنكار لوحدانيته وألوهيته.
وإليك بيان الأقوال الواردة في المراد بالآية:
- القول الأول: أن المراد بـ (الكفر) في الآية هو: الكفران لنعمة الأخوة والمحبة في الله.
(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (حـ ١٢٦٦٦ - ١٢/ ١٢٦) وابن أبي حاتم في تفسيره - سورة آل عمران - الآية: (١٠١)
(حـ ٣٨٩٨ - ٣/ ٧٢٠).