فكان جوابنا له في ذلك: أن الأمر في ذلك ليس كما ذكر، وأن في الآيتين اللتين تلوناهما في هذه الآثار التي قد ورينا ما قد دل أنه أريد بذلك اليتامى غير البالغات، لأن فيهما: أن أولياءهن نهوا أن ينكحوهن إلا أن يبلغوا بهن أعلى نسائهن في الصداق، ولو كن بالغات، لكان أمرهن في صداقهن إنما يرجع فيه إلى ما يرضين به مما قل ومما كثر لا إلى ما سوى ذلك، لأن الله تعالى قال: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} النساء:٤ وإذا كان لهن أن يطبن به نفساً لأزواجهن بعد وجوب صدقاتهن عليهم، كان لهن ذلك قبل صدقاتهن عليهم، بأن يعقد التزويج بينهن وبينهم على ما قد رضين به في ذلك أحرى، وكان في منع الله إياهن من ذلك في الآيتين اللتين تلونا ما دل أنهن اليتامى اللاتي لا رضى لهن، وهن غير بالغات.
ثم قد وكد ذلك ما قد رويناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما قد تقدم من قوله: " لا يتم بعد الحلم " (١)، فنفى بذلك أن يكون بعد الحلم يتم.
فقال هذا القائل: فما معنى حديثي أبي موسى وأبي هريرة اللذين قد ذكرت بعد انتفاء البلوغ عن اليتامى المذكورات فيهما، وفيهما تحقيق الاستئذان والاستئمار.
(١) أخرجه أبوداود في سننه - كتاب: الوصايا - باب: ما جاء متى ينقطع اليتم- (ح ٢٨٧٣ - ٣/ ٢٩٣) والطبراني المعجم الصغير (٢٦٦).