فمعنى قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} النساء:٤ أي: ولا تعطوا النساء صدقاتهن وأنتم كارهون لذلك، ولكن أعطوهن صدقاتهن عن طيب نفس منكم، وإن كان الصداق لهن دونكم.
فسمى إعطاء الصداق نحلة، لأن (النحلة) هي العطية التي لا يكاد أن يفعلها الناحل إلا متبرعاً بها طيبة بها نفسه.
- وهذا قول: أبي عبيدة معمر بن المثنى. (١)
القول الثالث: أن المراد بـ (النِّحْلة): الفريضة. وذلك لأن (النِّحْلة) في اللغة تأتي بمعنى الديانة والشريعة والفريضة. كما يقال: (فلان ينتحل كذا) أي: يدين به.
فمعنى الآية: أن الصداق فرض من الله جل وعلا على الرجال للنساء، لأن الأولياء كانوا قبل ذلك في الجاهلية يأخذون الصداق، ولا يعطونه للمرأة، فانتزعه الله جل وعلا منهم وجعله حق وفرض للنساء.
- وهذا قول: ابن عباس - وقتادة - ومقاتل - وابن زيد - وابن جريج. (٢)
الترجيح: وجميع الأقوال المتقدمة مرادة بالآية، إذ لا تعارض بينها، فالصداق هو فرض من الله جل وعلا على الرجال للنساء، فينبغي للرجل أن يعطيه المرأة، راضية بذلك نفسه، من غير أن يطلب به ما هو عوض عنه.
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو أحد الأقوال الواردة في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
(١) انظر: أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٥٧) - وتفسير ابن الجوزي (٢/ ٨٣) ومعجم مقاييس اللغة (مادة: نحل-٥/ ٤٠٣).
(٢) انظر: أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٥٧) - وتفسير الرازي (٩/ ١٨٠) وتفسير ابن الجوزي (٢/ ٨٣).