كما أن النسائي أخذ بدوره عن الطحاوي ثم شارك المحدثين في صناعة بعض علوم الحديث، فصنف في أصعب فن من علوم الحديث وهو: اختلاف الحديث. المتمثل في كتابة: (شرح مشكل الآثار) فأبدع الإمام الطحاوي وفاق الإمام أبو جعفر الطحاوي الكثيرين ممن ألفوا في هذا الفن.
وإن اقتدار الإمام أبي جعفر الطحاوي في علم الحديث ومعرفة رجاله، والبصر بعلله لتبدو جلية فيما ذكره من ذلك في كتابه: (شرح معاني الآثار) وكتابه (شرح مشكل الآثار).
كما تتلمذ عليه من أئمة الجرح والتعديل، ابن عدي، وابن يونس، والطبراني وغيرهم، وتأثر هؤلاء وغيرهم بالطحاوي واضح من خلال ما نقله أصحاب كتب الجرح والتعديل، وكتابه (التاريخ الكبير) في الرجال موضع ثناء واهتمام العلماء بالرغم من أنه من عداد كتبه المفقودة، إلا أن أصحاب كتب الرجال اقتبسوا منه اقتباسات مهمة مما يشعر بمكانته المرموقة.
وكذلك رسالته (في التسوية بين حدثنا وأخبرنا) ينبئ عن المكانة التي وصل إليها الطحاوي في هذا الفن.
وبهذه المعرفة الواسعة في الحديث، وبمؤلفاته القيمة فيه استحق الطحاوي تقدير المحدثين واحترامهم، كما استحق ثناءهم العطر الذي خلده له التاريخ عبر القرون، فشهد له أهل هذا الشأن بالإمامة. (١)
٢ - علم الفقه: إمامة الطحاوي في علم الفقه مسلم بها لدى كافة من كتب عن الإمام الطحاوي، سواء في هذا المؤرخون أو الفقهاء.
فلقد درس الطحاوي مذهب الشافعي على خاله المزني، ثم درس مذهب الحنفية ولم يتعصب لأحد من أئمته، بل يختار من أقوالهم ما يعتقد صوابه لقوة دليله، وإذا وافق أحداً من الأئمة فيما ذهب إليه، فإنما يوافقه عن بينة واستدلال، لا على مجرد التقليد، شأنه في ذلك شأن علماء عصره الذين لم يكونوا يرضون لأنفسهم التقليد، لا حفاظ الحديث، ولا أئمة الفقه.
(١) انظر: الحاوي (٥ - ٦) ومختصر اختلاف العلماء (١/ ٣٥ - ٣٧).