- وهذا القول قد دلت عليه اللغة: لأن أصل الإفضاء مأخوذ من الفضاء، وهو المكان الواسع الذي ليس فيه بناء حاجز عن إدراك ما فيه، فسميت الخلوة إفضاء: لزوال المانع من الجماع. (١)
الترجيح: وكلا القولين صحيح، لأن اللغة جاءت بهما، فالعرب تقول: (أفضى الرجل): أي دخل على أهله، وتقول (أفضى الرجل) بمعنى: جامع أهله. (٢)
إلا أن أولى القولين بالصحة، القول بأن المراد بالإفضاء هو: الجماع - للأمور التالية:
١ - أن الله جل وعلا قال في الآية في معرض التعجب: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} النساء:٢١ والتعجب إنما يتم إذا كان هذا الإفضاء سبباً قوياً في حصول الألفة والمحبة، وهو الجماع، لا مجرد الخلوة. فوجب حمل اللفظ عليه.
٢ - أن الإفضاء إليها لابد وأن يكون مفسراً بفعل منه ينتهي إليه، لأن كلمة (إلى) لانتهاء الغاية، ومجرد الخلوة ليس كذلك، لأنه عند الخلوة المحضة لم يصل فعل من أفعال واحد منهما إلى الآخر. فامتنع تفسير الإفضاء بمجرد الخلوة.
٣ - أن هذا القول هو قول جمهور المفسرين. (٣)
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو القول الأولى في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
ثانياً: بيان أقوال المفسرين في المراد (بالميثاق) الوارد في الآية:
القول الأول: أن المراد (بالميثاق) هو: ما أخذته الزوجة على زوجها عند عقدة النكاح من عهد على إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان، فأقربه الرجل. لأن الله جل وعلا أوصى بذلك الرجال فقال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} البقرة:٢٣١.
(١) أحكام القرآن للكياالهراسي (٢/ ٣٨٣).
(٢) انظر: تفسير البسيط للواحدي (١/ ١٧٠) - وتهذيب اللغة للأزهري (مادة: فضا -١٢/ ٧٦).
(٣) تفسير الرازي (١٠/ ١٦).