وكان أول منصب تقلده الإمام أبو جعفر الطحاوي كونه كاتباً رسمياً لبكار بن قتيبة (١)، مما جعل الفرصة أمامه سانحة ليلتقي بمختلف طبقات المجتمع ويتصل بهم بدءاً بالعلماء ووجوه البلد، ونهاية بالفقراء والبائسين، حتى استطاع أن يرقب أحوال بلده عن كثب عن طريق أولئك الأقوام.
ثم توفي القاضي بكار ولم يل القضاء أحد حتى أتى محمد بن عبدة بن حرب (٢) وتولى القضاء واختار الطحاوي ليكون أيضاً كاتبه، - وربما كان الاشتراك في المذهب الحنفي من بين دوافع هذا الاختيار - ثم بلغت الثقة به أن استخلفه وجعله نائباً عنه. (٣)
واستمر في هذا المنصب يعمل مع القاضي أبي عبيد الله إلى سنة ٢٩٢ هـ.
ثم تولى منصباً آخر، استحدث في النظام القضائي، وهو منصب الشهادة أمام القاضي، وذلك بإيجاد جماعة من الشهود الدائمين أمام القاضي. ولا يتبوأ هذا المنصب إلا الذين اشتهروا بالعدالة والنزاهة، وعرفوا بالعلم والفضل، والصلاح والتقى، ولذلك لا ينال هذا المنصب التشريفي إلا القليل من الفضلاء. وهذا بمثابة شهادة وتزكية لصلاح الرجل وفضله، عندما يكون من شهود القاضي، وكان رؤوس وأعيان البلد يتطلعون ويتمنون الحصول على هذا المنصب الكبير.
تولى الطحاوي هذا المنصب الشريف، لما كان يتصف به من صفات حميدة وأخلاق فاضلة، وأدب جم، وعلم واسع، وبخاصة في علم الفقه وأصول الشهادة.
فلقي الطحاوي حظوة عظيمة لدى القضاة، حتى عدله بعضهم بعدد من الشهود، وأصبح محسوداً، لاجتماع المنقبتين في شخصيته.
(١) انظر: الجواهر المضية (١/ ١٠٣) والولاة والقضاة (٥١٦).
(٢) هو: محمد بن عبدة بن حرب البصري العبادي الحنفي، روى أحاديث، وولي القضاء، وتوفي سنة (٣١٣ هـ) (سير أعلام النبلاء -١٤/ ٨١).
(٣) أبو جعفر الطحاوي وأثره في الحديث (٨٣).