فدل هذا الحديث على أن تمام التراضي هو أن يكون المتبايعان بعد عقدهما مخيران ما داما في مجلسهما حتى يفترقا بأبدانهما، إلا بيعاً يقول فيه أحدهما لصاحبه اختر فيختار، فإن الخيار ينقطع بينهما وإن لم يتفرقا، لأن اختياره دليل رضاه وقبوله. (١)
- وهذا قول: ابن عمر - وأبي برزة - والشافعي - وأحمد - والثوري - والأوزاعي - والليث- وابن عيينة - وإسحاق - وغيرهم. ورجحه الطبري - والقرطبي.
- القول الثاني: أن التراضي تمامه وجزمه أن يكون العقد ناجزاً بغير خيار.
- وهذا قول: مالك - وأبي حنيفة. (٢)
- ودليل هذا القول: قوله جل وعلا: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} النساء:٢٩. فظاهر الآية يقتضي الحل عند حصول التراضي، سواء حصل التفرق أو لم يحصل. (٣)
- وقد رد هذا الاستدلال: بأن إطلاق الآية محمول على ما بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من شروط البيع والتجنب لمفسداته، والسلامة من البيوع المنهي عنها، وإلا فذلك بيع باطل وإن تراضى به المتبايعان. (٤)
الترجيح: والقول الراجح هو قول من قال: إن التجارة التي هي عن تراض بين المتبايعين: ما تفرق المتبايعان عن المجلس الذي تواجبا فيه بينهما عقدة البيع بأبدانهما عن تراضٍ منهما بالعقد الذي جرى بينهما، أو عن تخيير كل واحد منهما لصاحبه ورضاه بذلك لصحة الحديث المتقدم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. (٥)
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو القول الصواب في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
(١) تفسير ابن عطية (٤/ ٩٣).
(٢) انظر: تفسير القرطبي (٥/ ١٥٨) - وتفسير الماوردي (١/ ٤٧٥).
(٣) تفسير الرازي (١٠/ ٧١).
(٤) تيسير البيان لأحكام القرآن (٢/ ٥٩٧).
(٥) تفسير الطبري (٤/ ٣٧).