وعن ابن عباس، قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم بعض قبل بعض، فقال المسلمون: قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا، فاستغفروا لهم. فنزلت هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} النساء:٩٧. إلى آخر الآية (١).
فقال قائل: ما معنى قوله عز وجل الذي وصله بما تلوته علينا من قوله عز وجل في هذه الآية {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (٩٨) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ (٩٩)} النساء:٩٨ - ٩٩، وهم لم يكن لهم ذنوب، فيعفى لهم عنها، والعفو، فإنما يكون عن مستحقي العقوبات بذنوبهم، وهؤلاء لا ذنوب لهم فيما ذكروا به من هذه الآية يستحقون العقوبة عليها.
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه: أن العفو عفوان، فعفو منهما: هو العفو الذي ذكر، وعفو منهما: هو رفع العبادة فيما يرفع فيه، فيعاد لا عبادة فيه يجب بالقيام بها الثواب، ويستحق بالترك لها العقاب، ومن ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق" (٢) ليس ذلك على أن شيئاً قد كان عليهم فيه فعفا لهم عن ذلك الشيء، ولكنه على الترك لهم إياهم بلا حق عليهم فيهم، ولا عبادة تعبدوا بها فيهم.
(١) أخرجه البيهقي في سننه - كتاب السير - باب ما جاء في عذر المستضعفين (حـ ٧ - ٩/ ١٤)
والطبراني في المعجم الكبير (حـ ١٢٢٦٠ - ١١/ ٤٤٤).
(٢) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الزكاة - باب في زكاة السائمة (حـ ١٥٧٤ - ٢/ ٢٣٢).
وابن ماجة في سننه - كتاب: الزكاة - باب زكاة الورق والذهب (حـ ١٧٩٤ - ١/ ٣٢٩).