بين الإمام الطحاوي سبب نزول قوله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} النساء:٩٧ ثم بين رحمه الله تعالى - أن المراد بالعفو في قوله جل وعلا: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} النساء:٩٩ هو: رفع الأمر بالهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام وعدم التكليف به ابتداءً.
وإليك أولاً: بيان سبب نزول الآية:
نزلت هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} النساء:٩٧ في أقوام من أهل مكة كانوا قد أسلموا وآمنوا بالله وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - ثم أسروا النفاق، وأظهروا الإيمان، وتخلفوا عن الهجرة مع رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى حرب المسلمين فقتلوا، فاعتذروا عن كفرهم وعدم هجرتم بكونهم مستضعفين في أرضهم، فأبى الله جل وعلا قبول معذرتهم، واستوجبوا العذاب من ربهم (١).
وقد ذكر الإمام الطحاوي نص الروايات الورادة في سبب نزول الآية فأغنى ذكره عن ذكرها.
ثانياً: بيان المراد (بالعفو) في قوله جل وعلا: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} النساء:٩٩: إن المراد بالعفو في الآية هو: رفع التكليف بالهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وليس المراد بأنهم مكلفون بذلك ولم يفعلوا فاستحقوا العقوبة على ذلك، ولكن الله جل وعلا رفع العقوبة عنهم.
وذلك لأن القوم كانوا عاجزين عن الهجرة والعاجز عن الشيء غير مكلف به، وإذا لم يكن مكلفاً به لم يكن عليه في تركه عقوبة (٢).
فالآية دليل على أن من عجز عن القيام بالأمر الواجب فإنه معذور غير مكلف به. كما قال جل وعلا في العاجزين عن الجهاد: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} النور:٦١،
(١) تفسير الطبري (٤/ ٢٣٥).
(٢) تفسير الرازي (١١/ ١٣).