وقد رد هذا القول: بأن حذف حرف الجر وإبقاء الجر جائز، إلا أنه ليس على إطلاقه، وإنما يطرد في مواضع نص عليها أهل اللسان ليس هذا منها.
٣ - أن قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ} مجرور بالعطف على مجرور بحرف (الباء)، وهو قوله: {بِرُءُوسِكُمْ} مع أنه منصوب في المعنى بالعطف على قوله: {وَأَيْدِيَكُمْ} فهو مجرور لأجل المجاورة لفظاً لا معنى.
وبهذا يكون حكم الرجلين الغسل لا المسح، لأن السنة الصحيحة قاضية بأن حكم الوجه واليدين والرجلين الغسل، إلا أن مسح الرأس دخل بينهما، وإن لم تكن وظيفته كوظيفتهم، لأنه مفعول قبل غسل الرجلين لا بعدهما. فكان ذكر الرجلين بعد ذكر مسح الرأس لبيان الترتيب لا ليشتركا في صفة التطهير.
وقد دل على ذلك قوله جل وعلا: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} المائدة:٦ فجيء بالغاية إزالة لظن من يحسبها ممسوحة، لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة. (١)
ومثال ذلك قوله جل وعلا: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} المائدة:٦ من غير تحديد.
وقوله جل وعلا في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} المائدة:٦ من غير بيان حد لذلك المسح.
وهذا مما يبين أن حكم الرجلين وجوب الغسل لا المسح.
والجر بالمجاورة ثابت في اللغة العربية، وممن صرح بجوازه من أئمة اللغة: الأخفش، وأبو البقاء العكبري.
ومن أمثلة الجر بالمجاورة في القرآن الكريم:
قوله جل وعلا: {وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} هود:٨٤ بجر قوله: {مُحِيطٍ} لمجاورته لقوله: {يَوْمٍ} مع أنه نعت لقوله: {عَذَابَ}.
(١) انظر: تفسير ابن عادل (٧/ ٢٢٤) - وأحكام القرآن لابن العربي - (٢/ ٧٢) - والقراءات وأثرها في التفسير والأحكام - (٢/ ٥٢٨).