الدراسة
بين الإمام الطحاوي أن قوله جل وعلا: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} المائدة:٤٢ قد اختلف في نسخه على قولين، مرجحاً أنه منسوخ بقوله جل وعلا: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} المائدة:٤٩
وإليك بيان الأقوال في نسخ الآية:-
القول الأول: أن قوله جل وعلا: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} المائدة:٤٢ آية محكمة. فإذا جاء أهل الكتاب إلى الحاكم المسلم فهو مخير إن شاء أعرض عنهم وردهم إلى حكم دينهم، وإن شاء حكم بينهم بما في كتاب الله جل وعلا.
وعلى هذا القول فإن معنى قوله جل وعلا: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} المائدة:٤٩ يكون: وأن احكم بينهم بما أنزل الله إذا تحاكموا إليك.
- وهذا قول: عطاء - وقتادة - والشعبي - والنخعي - وعمرو بن شعيب - والزهري - وأبي ثور - ورجحه الطبري: وإليه ذهب: الإمام مالك - وأحمد - والشافعي في أحد قوليه. (١)
- ومن أدلة هذا القول: ما روي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أنه قال: جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ائتوني بأعلم رجلين منكم " فأتوه بابني صوريا، فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟ قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: " فما يمنعكما أن ترجموهما؟ قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشهود، فجاؤا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجمهما ". (٢)
(١) انظر: تفسير ابن الجوزي (٢/ ٢٧٩) - والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (٢٣٥).
(٢) أخرجه أبوداود في سننه - كتاب: الحدود - باب: في رجم اليهوديين - (ح ٤٤٥٢ - ٤/ ٦٠٠)
والبيهقي في سننه - كتاب: الحدود - باب: ما جاء في وقف الشهود حتى يثبتو الزنا - (ح ١ - ٨/ ٢٣١).