عن عامر، قال: خرج رجل من بني خثعم، فتوفي بدَقُوقاء، (١) فلم يشهد وصيته إلا رجلان نصرانيان من أهله، فأشهدهما على وصيته، فقدما الكوفة فأحلفهما أبو موسى الأشعري دبر صلاة العصر في مسجد الكوفة بالله الذي لا إله إلا هو ما خانا ولا بدّلا ولا كتما، وإنها لوصيته، ثم أجاز شهادتهما.
قال أبو جعفر: فدل ذلك على أنها كانت عنده محكمة غير منسوخة، ولا نعلم عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافاً لهما - يعني ابن عباس وأبا موسى - في ذلك، والله أعلم، ثم التابعون في ذلك قد كان أكثرهم على مثل الذي كانا عليه في ذلك.
فذكر عن إبراهيم، قال: كتب هشام بن هُبَيْرة (٢) إلى شُريح يسأله عن شهادة المشركين على المسلمين، فكتب إليه لا تجوز شهادة المشركين على المسلمين إلا في وصية، ولا تجوز في وصية إلا أن يكون مسافراً
قال: فهذا شريح وهو قاضي الخلفاء الراشدين المهديين قد كان مذهبه فيها أيضاً أنها محكمة غير منسوخة.
وهذا قول: سعيد بن المسيب، وقتادة (٣)، ومجاهد، وإبراهيم، وسعيد بن جبير، وابن سيرين. (٤)
وقد قال به من فقهاء الأمصار ابن أبي ليلى، والأوزاعي، والثوري.
فإن قال قائل: فقد روي عن الحسن ما يخالف أقوال هؤلاء الذين ذكرت.
(١) (بدَقُوقاء): بفتح أوله، وضم ثانيه، اسم لمدينة قرب بغداد بالعراق. (معجم الأدباء - ٢/ ٤٥٩)
(٢) هشام هو: هشام بن هُبَيْرة بن فضالة الليثي، تولى القضاء بالبصرة سنة (٦٤ هـ) ومات بها في أول إمرة الحجاج بن يوسف.
(طبقات ابن سعد -٧/ ١٥١).
(٣) قتادة هو: أبو الخطاب قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز السَّدُوسي البصري، الضرير الأكمه المفسر، وثقة الإمام أحمد بن حنبل وغيره،
وكانت وفاته بواسط سنة (١١٨ هـ) (طبقات المفسرين ٢/ ٤٧).
(٤) ابن سيرين هو: أبو بكر محمد بن سيرين الأنصاري، وثقة ابن سعد وغيره، وكانت وفاته سنة (١١٠ هـ). (تهذيب الكمال - ٦/ ٣٤٠)