فتأملنا ما في هذا الحديث من ذكر القوم الذين كان سؤال الأقرع وعُيينة فيهم ما سألا، وفيما أنزل من أجل ذلك من قوله: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} الأنعام:٥٢ .. الآية، ومن قوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} الكهف:٢٨ .. الآية، هل هما خاصتان في النفر المذكورون في هذا الحديث، أم هما على من هو من أهل الصفة المذكورة فيهما، منهم هؤلاء النفر المذكورون في هذا الحديث؟
فوجدنا عن ابن عمر في هذه الآية: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} الكهف:٢٨، أنهم الذي شهدوا الصلوات المكتوبات
فعقلنا أن المرادين في الآيتين اللتين تلونا أنهم الذين يشهدون الصلوات المكتوبات، وأنهما ليستا بخاصتين للنفر المذكورين في حديث خباب دون من سواهم من الناس، وأنهما على النفر الموصوفين في حديث ابن عمر، وأن منهم النفر المذكورين في حديث خباب وأمثالهم ممن كان يشهد ما يشهدون من الصلوات الخمس.
(شرح مشكل الآثار -١/ ٣٣٩ - ٣٤٢)
الدراسة
بين الإمام الطحاوي أن هذه الآية نزلت في فقراء المؤمنين في ذلك الوقت - كبلال، وعمار - عندما طلب بعض أشراف قريش من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يطردهم عنه، فنزلت هذه الآية للنهي عن ذلك.
ثم بين - رحمه الله تعالى - أن حكم الآية ليس خاصاً فيمن نزلت فيهم الآية، وإنما هو عام فيمن يشهد الصلوات المكتوبة، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وهذا قول: جمهور المفسرين. (١) كما بين الإمام الطحاوي أن المراد (بالدعاء) في الآية هو: آداء الصلوات المكتوبة.
وإليك بيان أقوال المفسرين في المراد بذلك:
(١) انظر: تفسير ابن عطية (٦/ ٥٦) - وتفسير أبي حيان (٤/ ٥٢١) - ومباحث في علوم القرآن لمناع القطان (٨٣).