أي: أن لهم آذان لا يسمعون بها ما جاء عن الله مما يدعوهم إليه رسل الله، سماع اعتبار وتفكر. (١)
فلما كان المشركون لا يتدبرون شيئاً من الآيات، ولا ينظرون إليها نظر اعتبار، ولا يسمعونها سماع تفكر، جعلوا كأنهم فقدا الفقه بالقلوب، والإبصار بالعيون والسماع بالآذان.
وليس المراد نفي هذه الإدراكات عن هذه الحواس، وإنما المراد نفي الانتفاع بها فيما طلب منهم من الإيمان بالله جل وعلا. (٢)
لأن آلات الإدراك والعلم خلقها الله جل وعلا لتحصيل المنافع ودفع المضار، فلما لم يستعملوها في جلب أفضل المنافع ودفع أكبر المضار، نفى عنهم عملها على وجه العموم للمبالغة. (٣)
ونظير هذه الآية: قوله جل وعلا: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} البقرة:١٧١
وقوله جل وعلا: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} الأحقاف:٢٦
وهذا الأسلوب الذي جاءت به الآية وارد عند العرب حيث إنهم يقولون ذلك لتارك استعمال بعض جوارحه فيما يصلح له. ومنه قول مسكين الدارمي: (٤)
أعمى إذا ما جارتي خرجت ... حتى يواري جارتي السترُ
وأصم عما كان بينهما ... سمعي وما بالسمع من وقرِ (٥)
وبهذا يتبين صحة ما قاله الإمام الطحاوي في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
(١) تفسير الطبري (٦/ ١٣٠).
(٢) تفسير أبي حيان (٥/ ٢٢٨).
(٣) تفسير ابن عاشور (٩/ ١٨٤).
(٤) تفسير الطبري (٦/ ١٣٠).
(٥) انظر: أمالي المرتضي (١/ ٤٣) - وخزانة الأدب (١/ ٤٦٨).