١ - أن الآية جاءت بصورة الخبر، والأصل في الخبر أن يكون على بابه، وأن المقصود بذلك، الامتنان والإخبار بالواقع (١)
وقد رد هذا الاستدلال: بأن هذه الآية وإن كان لفظها لفظ الخبر إلا أن معناها الأمر بذلك، وليس إخباراً بوقوع ذلك.
وذلك لأن كل خبر من الله تعالى وعد فيه عباده على عمل ثواباً وجزاءً وعلى تركه عقاباً وعذاباً، وإن لم يكن ظاهره مخرج الأمر، ففي معنى الأمر (٢)، كما في قوله جل وعلا: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} البقرة:٢٢٨
وكما في قوله جل وعلا: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} البقرة:٢٣٣.
ومما يدل على أن هذه الآية أمر لا خبر، ما يلي:
أ- أن الله جل وعلا قال في الآية الثانية: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} الأنفال:٦٦، والتخفيف لا يكون إلا بزوال بعض الفرض الأول أو النقل عنه إلى ما هو أخف منه. فالتخفيف لا يقع إلا بعد تكليف، فهو يقع في المأمور به لا في الخبر عنه (٣)
ب- أنه لو كان لفظ الآية الأولى خبراً محضاً للزم منه عدم وقوع خلاف المخبر به، وهو محال (٤) لأنه لم يثبت عند أحد أنه لم يغلب قط مائتان من الكفار عشرين من المؤمنين. فثبت بهذا أن المراد بالآية هو الأمر بما فيها لا الإخبار عما فيها (٥)
٢ - أن حكم الآية الأولى ندب لا فرض، وعليه فلا يمكن حدوث النسخ له.
وقد رد هذا الاستدلال:
(١) تفسير السعدي (٣/ ١٨٩).
(٢) تفسير الطبري (٦/ ٢٨٥).
(٣) أحكام القرآن للجصاص (٣/ ١٠٦).
(٤) فتح الباري لابن حجر (٨/ ١٦٢).
(٥) تفسير الرازي (١٥/ ١٩٢)