فتأملنا هذه الآثار طلب الوقوف على المراد بما فيها من رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوفود أن لا تقتل، وإن كان منها مثل الذي كان من ابن النواحة وصاحبه مما يوجب قتلهما لو لم يكونا رسولين، فوجدنا الله عز وجل قد قال في كتابه لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} التوبة:٦ أي: فيتبعه، أي: يجب عليه المقام حيث يقيم المسلمون سواه، أو لا يتبعه فيبلغه مأمنه، وكان في تركه اتباعه بقاؤه على كفره الذي يوجب سفك دمه لو لم يأته طالباً لاستماع كلام الله، فحرم بذلك سفك دمه حتى يخرج عن ذلك الطلب، ويصير إلى مأمنه، فيحل بعد ذلك سفك دمه، فكان مثل ذلك الرسل الذين يبلغون من أرسلهم، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جوابه لهم فيما أرسلوهم فيه إليه منه، وسماعهم كلام الله عز وجل ليكون من يصيرون إليه بذلك يقبله فيدخل في الإيمان، أو لا يقبله فيبقى على حربيته وعلى حل سفك دمه.
فهذا عندنا هو المعنى الذي به رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرسل القتل، وإن كان منهم ما يوجب قتلهم لو لم يكونوا رسلاً. والله نسأل التوفيق.