ففي هذه الآية وصف الله جل وعلا بالمسكنة من له سفينة من سفن البحر، وهي تساوي جملة من المال. وهذا يدل على أن كون المسكين مسكيناً لا ينافي كونه مالكاً للمال، بخلاف الفقير فإنا لم نجد في كتاب الله جل وعلا ما يدل على أن الإنسان يسمى فقيراً مع أنه يملك شيئاً من المال، فثبت أن الفقير أقل حالاً من المسكين. (١)
وقد رد هذا الاستدلال بما يلي:
أ - أن هذا الاحتجاج لا يلزم، لأن هؤلاء (المساكين) لم يكونوا ملاكاً لهذه السفينة، وإنما كانوا أجراء فيها، فنسبت إليهم لأنهم يعملون فيها، كما يقال: (هذا منزل فلان) لأنه ساكن فيه، وإن كان غير مالك له. (٢)
ب - على فرضية أن السفينة كانت ملكاً لهؤلاء المساكين، فإن هذا الوصف إنما كان وصفاً مستحقاً لهم بعد أخذ الملك للسفينة لا قبل ذلك. (٣)
ج - أن لفظ (مساكين) في الآية للترحم والعطف والشفقة، أي هم ضعفاء أمام الملك الجبار، الذي كان يغتصب كل سفينة ليس فيها عيب بجبروته وطغيانه، وليست الآية للتعريف بأنهم مساكين لا يملكون شيئاً، أو أنهم مساكين ويملكون. (٤)
٤ - أن الرسول عليه الصلاة والسلام استعاذ بالله من الفقر فقال: (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة، وأعوذ بك من أن أظلم أو أُظلم). (٥)
(١) تفسير الرازي (١٦/ ١٠٨).
(٢) انظر: أحكام القرآن للجصاص (٣/ ١٨٠) - ومعاني القرآن للنحاس (٣/ ٢٢٣).
(٣) المفردات في غريب القرآن (٢٣٧).
(٤) تفسير القرطبي (٨/ ١٥٨).
(٥) أخرجه أبوداود في سننه - كتاب الصلاة - باب في الاستعاذة (ح ١٥٤٤ - ٢/ ١٩٠).
والنسائي في سننه - كتاب الاستعاذة - باب الاستعاذة من الذلة (ح ٥٤٧٥ - ٨/ ٦٥٤).