فهذا يعم الأنصار كلهم، ولا يعارضه حديث محمد بن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - والذي فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل أهل قباء عن طهارتهم، لأن أهل قباء هم أيضاً من الأنصار، فسؤاله إياهم لتحقق اطراد هذا التطهر في قبائل الأنصار. (١)
وبهذا يظهر لنا صحة عودة الضمير (الهاء) في قوله جل وعلا: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} التوبة:١٠٨ على مسجد قباء، وعلى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. لأن أولئك المتطهرين متواجدين في كلا المسجدين. (٢)
القول الثالث: أن المراد (بالمسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم) هو: مسجد قباء، ومسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
- وهذا قول: محمد بن كعب - وابن تيمية - والقاسمي - وابن عاشور - ومحمد رشيد رضا. (٣)
- وحجة هذا القول: أن لفظ الآية لا يمنع من إرادة كل من المسجدين، لأن كلاً منهما أسس على التقوى من أول يوم لتأسيسه. (٤)
فقوله جل وعلا: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} التوبة:١٠٨ هو كقول القائل: (لرجل صالح أحق أن تجالسه). فلا يلزم أن يكون هذا الوصف مقصوراً على واحد، بل يصح أن يشمل أكثر من واحد. (٥)
الترجيح: والراجح هو القول بأن المراد (بالمسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم) هو: مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصحة الخبر بذلك عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. (٦)
(١) تفسير ابن عاشور (١١/ ٣٣).
(٢) معاني القرآن للنحاس (٣/ ٢٥٥).
(٣) انظر: تفسير الماوردي (٢/ ٤٠٣) - ومجموع فتاوى ابن تيمية (٢٧/ ٤٠٦) - وتفسير القاسمي (٤/ ٢٠٦)
وتفسير ابن عاشور (١١/ ٣٢) - ومختصر تفسير المنار - (٣/ ٣٤٨).
(٤) مختصر تفسير المنار (٣/ ٣٤٨).
(٥) تفسير الرازي (١٦/ ١٩٥).
(٦) انظر: تفسير الطبري (٦/ ٤٧٤) - وتفسير القرطبي (٨/ ٢٤١).