عدم المؤاخذة قبل الإنذار.
قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} النساء ١٦٥
• قال السمعاني - رحمه الله -: " وهذا دليل على أن الله تعالى لا يعذب الخلق قبل بعثة الرسل، وهذا معنى قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} ". (١)
الدراسة:
استنبط السمعاني استنباطا عقديا بأن الله لا يؤاخذ بالذنب إلا بعد الإنذار، وأن ما وجب وجب بالسمع لا بالعقل، ووجه الاستنباط أنه ليس للعبد حجة على الله بعد إرسال الرسل المبشرين والمنذرين، وذلك لأنهم قد قاموا بالبيان والإنذار، يؤيد ذلك الآيات التي توافق هذا القول في محكم التنزيل، كما ذكرها السمعاني في استنباطه هذا.
قال الشاطبي: " فجرت عادته في خلقه أنه لا يؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل ". (٢)
وقال ابن عاشور: " فلما بعث الله الرسل لقطع الحجة علمنا أن الله حين بعث الرسل كان بصدد أن يؤاخذ المبعوث إليهم، فاقتضت رحمته أن يقطع حجتهم ببعثة الرسل وإرشادهم وإنذارهم، ولذلك جعل قطع الحجة علة غائية للتبشير والإنذار ... فهذه الآية ملجئة جميع الفرق إلى القول بأن بعثة الرسل تتوقف عليها المؤاخذة بالذنوب ". (٣)
وقد ذكر ذلك جلُّ أهلِ التفسير في كتبهم لهذه الآية والآيات المؤيدة والموافقة لها. (٤)
(١) تفسير السمعاني (١/ ٥٠٣).
(٢) الموافقات (٤/ ٢٠٠).
(٣) التحرير والتنوير (٤/ ٣٢١).
(٤) انظر: أحكام القرآن للكيا الهراسي (٤/ ٢٤٩)، ومعالم التنزيل للبغوي (٢/ ٣١٢)، وفتح القدير (٢/ ٢٤٨)، وأضواء البيان (٣/ ٧٠)، والتحرير والتنوير (٤/ ٣٢١).