ما يعم الآيات القرآنية التي من جُملتها ما تُلي في شأن الحج وغيره، وما في التوراة والإنجيل من شواهد نبوته عليه السلام. (١)
وممن استنبط إشارة الآية إلى هذه الدلالة موافقاً الخطيب: الرازي، والبيضاوي، وأبو حيان، وأبو السعود، وحقي، والألوسي، وغيرهم. (٢)
وعليه فمفاد التخصيص التوبيخ لأهل الكتابين على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وجحودهم نبوته، وهم يجدونه في كتبهم، مع شهادتهم أن ما في كتبهم حق، وأنه من عند الله. (٣)
وهذه الآية تحتمل أيضاً أن يكون تخصيصهم بالذكر لأنهم هم المخاطبون في صدر الآية، فأورد عليهم الدلائل من التوراة والإنجيل على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأجابهم عن شُبههم في ذلك، ثم خاطبهم بذلك. (٤)
قال الرازي: (فإن قيل: ولم خصّ أهل الكتاب بالذكر دون سائر الكفار؟
قلنا لوجهين: الأول: أنا بينَّا أنه تعالى أورد الدليل عليهم من التوراة والإنجيل على صحة نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، ثم أجاب عن شُبههم في ذلك، ثم لما تمّ ذلك خاطبهم فقال: يا أهل الكتاب، فهذا الترتيب الصحيح.
الثاني: أن معرفتهم بآيات الله أقوى لتقدم اعترافهم بالتوحيد وأصل النبوة، ولمعرفتهم بما في كتبهم من الشهادة بصدق الرسول والبشارة بنبوته). (٥)
وعلى كلا الوجهين فدلالة الآية على عِظم الكُفر منهم وإنكاره عليهم ظاهرة؛ لعلمهم بما في كتابهم مما يُبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم ويُصدِّقه، والله تعالى أعلم.
(١) إرشاد العقل السليم (٢/ ٦٣).
(٢) ينظر: التفسير الكبير (٨/ ٣٠٧)، وأنوار التنزيل (٢/ ٣٠)، البحر المحيط (٣/ ٢٧٩)، وإرشاد العقل السليم (٢/ ٦٣)، وروح البيان (٢/ ٦٩)، وروح المعاني (٢/ ٢٣١).
(٣) ينظر: جامع البيان (٦/ ٥٠٢)، وتفسير القرآن العظيم (٢/ ٨٥)
(٤) ينظر: البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٢٧٩)
(٥) التفسير الكبير (٨/ ٣٠٧).