فأكل المرء لحمه أخيه أقبح ما يكون، ففيه إشارة إلى أن الغيبة عظيمة عند الله.
كما أن في الإشارة بقوله: {مَيْتًا} فائدة أخرى نبَّه عليها الخطيب، وهي: دفع ما قد يُتوهم من أن الكلام في الوجه يؤُلم فيُحرم، وأما الغيبة فلا اطّلاع عليها للمغتاب فلا تؤلمه، فبيَّن أن أكل لحم الأخ وهو ميّت أيضاً لا يؤلم، ومع هذا فهوقبيح مستكره. (١)
قال الشوكاني مستنبطاً هذه الدلالة: (وفيه إشارة إلى أن عرض الإنسان كلحمه، وأنه كما يحرم أكل لحمه يحرم الاستطالة في عرضه، وفي هذا من التنفير عن الغيبة والتوبيخ لها، والتوبيخ لفاعلها، والتشنيع عليه ما لا يخفى، فإن لحم الإنسان مما تنفر عن أكله الطباع الإنسانية، وتستكرهه الجبلة البشرية، فضلا عن كونه محرما شرعاً). (٢)
وممن استنبط هذه الدلالة من معنى الآية: الرازي، والخازن، وابن عادل، وحقي، والشوكاني، وغيرهم. (٣)
وفيها لطيفة أخرى أشار إليها الخطيب: وهو أن الغيبة كأكل لحم الآدمي ميتاً، ولا يحل أكله إلا للمضطر بقدر الحاجة، فكذلك المغتاب إن وجد لحاجته مدفعاً غير الغيبة فلا يباح له الاغتياب.
وممن نصَّ على هذه الإشارة: الرازي (٤)، وغيره.
ومن المعلوم أن لحم الإنسان مستكره عند إنسان آخر، إلا أنه لا يكون مثل
(١) ينظر: التفسير الكبير للرازي (٢٨/ ١١٠)، وروح البيان لحقي (٩/ ٨٨)
(٢) فتح القدير (٥/ ٧٧)
(٣) ينظر: التفسير الكبير (٢٨/ ١١٠)، ولباب التأويل (٤/ ١٨٣)، واللباب في علوم الكتاب (١٧/ ٥٥١)، وروح البيان (٩/ ٨٨)، وفتح القدير (٥/ ٧٧)
(٤) المرجع السابق (٨/ ١١١)