ومثّل ابن عطية على إدغام الثاني في الأول بـ {مُدَّكِر}، وانتقده السمين في ذلك؛ لأنه بناءً على قوله كان يلزم أن يقول (مُذَّكِر) وليس (مُدَّكر)، وهذا صحيح.
فابن عطية يرى إدغام الثاني (التاء) في الأول (الذال) في (مذتكر) فتكون (مذّكر)، من غير إبدال، كقوله في (يطتاف): بإدغام الثاني (التاء) في الأول (الطاء) فتكون (يطّاف).
وقال السمين بأن (مذّكر) لغة ردئية، وأن الجيدة بالمهملة (مدّكر)، أصلها (مذتكر) قلبت تاء الافتعال بعد الذال دالاً (مذدكر) فاجتمع متقاربان، فقلب أولهما (الذال) لجنس الثاني (الدال)، وأدغمت الدال في الدال.
والصحيح أن (مذّكر) ليست بلغة رديئة، وإنما هي غير شائعة.
فتاء الافتعال تُقلب مع الذال دالاً وجوباً، نحو قولهم في (مذتكر): (مذدكر).
ويجوز فيه بعد قلب التاء قلبان، أحدهما: أن تُقلب الذال دالاً (مددكر) وتدغم في الدال التي بعدها، فتصيران في اللفظ دالاً واحدة مشددة (مدّكر) وهذا شرط الإدغام، لأنهم يقلبون الحرف الأول إلى جنس الثاني ثم يدغمونه فيه (١).
وإنما جاز قلب الأول إلى جنس الثاني؛ لأن الأول أصلي والثاني زائد، فكرهوا إدغام الأصلي في الزائد، فقلبوا الزائد إلى جنس الأصلي وأدغموه.
والوجه الثاني: أن تقلب الدال ذالاً (مذذكر) وتدغم، فيكون اللفظ به ذالاً معجمة (مذّكر) (٢).
وقد قال الفراء (٣): "وبعض بني أسد يقولون: مذكر". اهـ (٤)
(١) ينظر: شرح المفصل، لابن يعيش (٥: ٥٥٥).
(٢) ينظر: المصدر السابق، الموضع نفسه.
(٣) يحيى بن زياد بن عبد الله الأَسَدِيُّ مولاهم الكوفي، أبو زكريَّا، المعروف بالفراء، العلاّمة، النحويّ، وكان مع تقدمه في اللغة فقيها متكلما، عالما بأيام العرب وأخبارها، له مصنفات عديدة منها: (معاني القرآن) و (المقصور والممدود)، توفي سنة ٢٠٧ هـ. ينظر: تاريخ العلماء النحويين، للتنوخي (ص: ١٨٧)، تاريخ بغداد، للبغدادي (١٦: ٢٢٤)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (١٠: ١١٨).
(٤) معاني القرآن، للفراء (٣: ١٠٧).