فيقيم على ذلك زمانا، ثم يعرض له فيما بعد من الجفوف واليبس ما يعرض لما هذه سبيله، فإذا استقر على ذلك اليبس وتمكن فيه "حتى ينخر"١ لم يغن عنه فيما بعد أن تعيده٢ إلى قعر البحر فيقيم فيه مائة عام؛ لأنه قد كان بعد عن الرطوبة بعدا أوغل فيه، حتى أيأس من معاودته البتة إليها٣.

فهذه حال إقرار الحكم مع زوال العلة، وهو الأقل في كلامهم. وعلى طرف من الملامحة له قول الله عز وجل: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} ٤.

ومنها أنهم قد٥ قلبوا الواو ياء قلبًا صريحًا لا عن علة مؤثرة أكثر من الاستخفاف، نحو قولهم: رجل غديان٦، وعشيان٦، والأريحية٧، ورياح، ولا كسرة هناك، ولا اعتقاد كسرة فيه قد٧ كانت في واحده، لأنه ليس جمعًا فيحتذى به٨ ويقتاس٩ به١٠ على حكم واحده. وكذلك قول الآخر:

جول التراب فهو جيلاني١١

فإذا١٢ جنحوا إلى الياء هذا الجنوح العاري من السبب المؤثر١٣ سوى ما فيه من الاسترواح إليه، كان قلب الأثقل إلى الأخف وبقاؤه على ذلك لضرب من التأول أولى وأجدر.

١ كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش كلمة غير واضحة تحتمل "بجد" أو "ببحر".
٢ كذا في ط، وفي ز، ش: "يعيده".
٣ كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط:"إليه".
٤ آية ٩١ سورة يونس، والإشارة التي بعينها المؤلف في الآية أن فرعون حقت عليه اللعنة لعنوة وبقيت عليه اللعنة عند توبته في آخر أمره، فهذا يشبه بقاء الحكم مع زوال العلة.
٥ سقط في د، هـ، ز.
٦ غديان أي تغدى، وعشيان أي تعشى.
٧ في ش: "وقد".
٨ سقط في ش، ط.
٩ كذا في ش، وفي ز، ط: "يقاس".
١٠ سقط في ط.
١١ في ط بعد هذا الشطر: "جولاني"، وكأنه يريد أنه روى بالوجهين: الياء والواو، وجول التراب: انتشاره ويقال: يوم جولاني وحيلاتي: كثير التراب والريح.
١٢ كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإذا".
١٣ سقط في ش، وثبت في د: هـ، ز، ط.