باب في الاكتفاء بالسبب من المسبب وبالمسبب من السبب:
هذا موضع١ من العربية شريف لطيف، وواسع لمتأمله كثير. وكان أبو علي -رحمه الله- يستحسنه، ويعنى به. وذكر منه مواضع قليلة. ومر بنا نحن منه٢ ما لا نكاد نحصيه.
فمن ذلك قول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} ٣ وتأويله٤ -والله أعلم: فإذا أردت قراءة القرآن؛ فاكتفى بالمسبب الذي هو القراءة من السبب الذي هو الإرادة. وهذا أولى من تأول من ذهب إلى أنه أراد: فإذا استعدت٥ فاقرأ؛ لأن فيه قلبًا لا ضرورة بك إليه. وأيضًا فإنه ليس كل مستعيذ بالله واجبةً عليه القراءة ألا ترى إلى قوله:
أعوذ بالله وبابن مصعب ... الفرع من قريشٍ المهذب٦
وليس أحد أوجب عليه من طريق الشرع القراءة في هذا الموضع.
وقد يكون على ما قدمنا قوله عز اسمه: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} ٧ أي إذا أردتم القيام لها، والانتصاب فيها.
قد علمت إن لم أجد معينا ... لأخلطن بالخلوق طينا
١ كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "باب".
٢ كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.
٣ آية ٩٨ سورة النحل.
٤ كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "تأويله".
٥ كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تعوذت".
٦ كأنه يريد ابن مصعب بن الزبير، والفرع من القوم: شريفهم.
٧ آية ٦ سورة المائدة.
٨ يريد أبا بكر بن دريد، والحلوق: ضرب من الطيب، وانظر الأمالي ٢/ ١٤٤.