في غالب الأمر وأكثر الحال مضر بصاحبه وكالجارح له. فهو إذًا من الكلوم التي هي الجروح. وأما القول فليس في أصل اشتقاقه ما هذه سبيله؛ ألا ترى أنا قد عقدنا تصرف " ق ول" وما كان أيضًا من تقاليبها الستة, فأرينا أن جميعها إنما هو للإسراع والخفة, فلذلك سموا كل ما مذل به اللسان من الأصوات قولًا, ناقصًا كان ذلك أو تامًّا. وهذا واضح مع أدنى تأمل.
واعلم أنه قد يوقع١ كل واحد من الكلام والقول موقع صاحبه, وإن كان أصلهما قبل ما ذكرته؛ ألا ترى إلى رؤبة كيف قال:
لو أنني أوتيت علم الحكل٢ ... علم سليمان كلام النمل
يريد قول٣ الله عز وجل: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} وعلى هذا اتسع فيهما جميعًا اتساعًا واحدًا فقال أبو النجم:
قالت له الطير تقدم راشدا ... إنك لا ترجع إلا حامدا
وقال الآخر:
وقالت له العينان سمعًا وطاعة ... وأبدت كمثل الدر لما يثقب٤
١ في ش: "يوضع ... موضع"، وفي ج: "واعلم أنه قد يتسع فيهما فيوضع كل واحد منها موضع الآخر".
٢ الحكل ما لا يسمع صوته. وبين الشطرين شطر ثالث هو:
علمت منه مسنسر الدخل
وانظر ديوانه.
٣ كأنه يريد أن حديث النمل أشبه بالاعتقاد, فكان الأجدر به القول الذي يستعمل في الرأي والاعتقاد لخفائه، فاستعمال الكلام فيه من إيقاع الكلام موقع القول.
٤ في اللسان في "قول" بدل "وأبدت كمثل الدر": "وحدرتا كالدر", وهذا يناسب التثنية في العينين. وقد جاء الإفراد في "أبدت" في رواية الكتاب؛ لأن العينين لتلازمهما في حكم الفرد كما قال الراجز:
لمن زحلوقة زل ... بها العينان تنهل
أو لأن الضمير في أبدت لمحبوبته.