باب في نقض المراتب إذا عرض هناك عارض
من ذلك امتناعهم من تقديم الفاعل في نحو ضرب غلامه زيدًا. فهذا١ لم يمتنع من حيث كان الفاعل ليس رتبته التقديم وإنما امتنع لقرينة انضمت إليه، وهي
إضافة الفاعل إلى ضمير المفعول وفساد تقدم المضمر على مظهره لفظًا ومعنى. فلهذا وجب٢ إذا أردت تصحيح المسئلة أن تؤخر الفاعل فتقول: ضرب زيدًا غلامه، وعليه قول الله سبحانه: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} وأجمعوا٣ على أن ليس بجائز ضرب غلامه زيدًا لتقدم المضمر على مظهره لفظًا ومعنى. وقالوا في قول النابغة ٤:
جزى ربه عني عدي بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
إن الهاء عائدة على٥ مذكور متقدم كل ذلك لئلا يتقدم ضمير المفعول عليه مضافًا " إلى الفاعل"٦ فيكون مقدمًا عليه لفظًا ومعنى. وأما أنا فأجيز٧ أن تكون الهاء في قوله:
جزى ربه عني عدي بن حاتم
عائدة على "عدي" خلافًا على الجماعة.
فإن قيل: ألا تعلم أن الفاعل رتبته التقدم، والمفعول رتبته التأخر٨، فقد وقع كل٩ منهما الموقع الذي هو أولى به فليس لك أن تعتقد في الفاعل وقد وقع مقدمًا أن
١ كذا في أ. وقد سقطت "لم" في ش، ب.
٢ كذا في أ. وفي ش، ب: "أوجب".
٣ من القائلين بالجواز أبو عبد الله الطوال محمد بن أحمد. وهو من أصحاب الكسائي، وكانت وفاته سنة ٢٤٣، فكأن ابن جني لم يطلع على خلافه. وانظر كتب النحو في مبحث الفاعل.
٤ أي الذبياني. والذي عليه الرواة أن قائل هذا أبو الأسود الدؤلي يهجو عدي بن حاتم. وإنما وهم من وهم في نسبته إلى النابغة أن للنابغة شعرًا شبيها بهذا وهو:
جزى الله عبسا عبس آل بغيض ... جزاء الكلاب العاريات وقد فعل
ويقول العيني: "عزاه بعضهم إلى النابغة الذبياني، وأبو عبيدة إلى عبد الله بن همارق، والأعلم لأبي الأسود. وقيل: لم يدر قائله، حتى قال ابن كيسان: أحسبه مولدا مصنوعا، والبيت من شواهد النحو في باب الفاعل، وانظر الخزانة طبعة السلفية ١/ ٢٥٣, والعيني ٢/ ٤٨٧ على هامش الخزانة.
٥ كذا في أ. وفي ش، ب: "إلى".
٦ كذا في الأصول، والمناسب، "إليه".
٧ كذا في أ. وفي ب، ش: "فإني أجيز".
٨ كذا في أ. وفي ش، ب: "التأخير".
٩ كذا في أ. وفي ش، ب: "كل واحدة".