باب في تركيب اللغات
...
باب في تركب ١ اللغات ٢:
اعلم أن هذا موضع قد دعا أقوامًا ضعف نظرهم وخفت إلى تلقي ظاهر٣ هذه اللغة أفهامهم أن جمعوا أشياء على وجه الشذوذ عندهم وادعوا أنها موضوعة في أصل اللغة على ما سمعوه بأخرة من أصحابها وأنسوا ما كان ينبغي أن يذكروه وأضاعوا ما كان واجبًا أن يحفظوه. ألا تراهم كيف ذكروا في الشذوذ ما جاء على فعل يفعل؛ نعم ينعم ودمت تدوم ومت تموت. وقالوا أيضًا فيما جاء من فعل يفعل وليس عينه ولا لامه حرفًا حلقيًّا نحو قلى يقلى وسلا يسلى وجبى يجبى وركن يركن وقنط يقنط.
ومما عدوه شاذًّا ما ذكروه من فعل فهو فاعل؛ نحو طهر فهو طاهر, وشعر, فهو شاعر وحمض فهو حامض وعقرت المرأة فهي عاقر ولذلك نظائر كثيرة.
واعلم٣ أن أكثر ذلك وعامته إنما هو لغات تداخلت فتركبت٤، على ما قدمناه في الباب الذي هذا الباب يليه. هكذا ينبغي أن يعتقد وهو أشبه بحكمة العرب.
وذلك أنه قد دلت الدلالة على وجوب مخالفة صيغة الماضي لصيغة المضارع, إذ الغرض في صيغ هذه المثل إنما هو لإفادة الأزمنة فجعل لكل زمان مثال مخالف لصاحبه وكلما ازداد الخلاف كانت في ذلك قوة الدلالة على الزمان.
فمن ذلك أن جعلوا بإزاء حركة فاء الماضي سكون فاء المضارع وخالفوا بين عينيهما فقالوا: ضرب يضرب وقتل يقتل وعلم يعلم.
فإن قلت: فقد قالوا: دحرج يدحرج فحركوا فاء المضارع والماضي جميعًا وسكنوا عينيهما أيضًا قيل: لما فعلوا ذلك في الثلاثي الذي هو أكثر استعمالا وأعم تصرفًا وهو كالأصل للرباعي لم يبالوا ما فوق ذلك مما جاوز الثلاثة. وكذلك أيضًا قالوا: تقطع يتقطع وتقاعس يتقاعس وتدهور يتدهور ونحو ذلك لأنهم أحكموا الأصل الأول الذي هو الثلاثي. فقل حفلهم بما وراءه؛ كما أنهم لما أحكموا أمر المذكر في التثنية، فصاغوها على ألفها, لم يحفلوا بما عرض
١ كذا في أ. وفي شن ب: "تركيب".
٢ كذا في أ. وفي ش، ب: "اللغة".
٣ كذا في أ. وسقط هذا في ش، ب.
٤ كذا في أ. وفي، ب: "فاعلم".
٥ كذا في أ، ب. وفي ش: "تركت".