المجلد الثاني
باب في ترك الأخذ عن أهل المدر ك ما أخذ عن أهل الوبر
...
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في ترك الأخذ عن أهل المَدَرِ كما أُخِذَ عن أهل الوبر:
علّة امتناع ذلك ما عَرَضَ للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلال والفساد والخطل, ولو عُلِمَ أن أهل مدينةٍ باقون على فصاحتهم١، ولم يعترض شيء من الفساد للغتهم, لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل الوبر.
وكذلك أيضًا لو فشا في أهل الوبر ما شاع في لغة أهل المدَرِ من اضطراب الألسنة وخبالها وانتقاض عادة الفصاحة وانتشارها٢، لوجب رفض لغتها وترك تلقي ما يَرِدُ عنها. وعلى ذلك العمل في وقتنا هذا؛ لأنا لا نكاد نرى بدويًّا فصيحًا. وإن نحن آنسنا منه فصاحة في كلامه لم نكد نعدم ما يفسد ذلك ويقدح فيه وينال ويغُضّ منه.
وقد كان طرأ علينا أحد من يدَّعي الفصاحة البدوية ويتباعد عن الضعفة٣ الحضرية فتلقينا أكثر كلامه بالقبول له, وميزناه تمييزًا حَسُنَ٤ في النفوس موقعه،
١ ذكر صاحب القاموس في "عكد" أن باليمن قرب زبيد جبلًا يسمى: عكادا, أهله باقون على اللغة الفصيحة. ويقول السيد مرتضى الزبيدي شارح القاموس: إنهم لا يزالون على ذلك إلى زمنه، وإنهم لا يسمحون للغريب أن يقيم عندهم أكثر من ثلاث ليالٍ خوفًا على لسانهم. والسيد مرتضى كانت وفاته سنة ١٢٠٥هـ، وله ترجمة واسعة في تاريخ الجبرتي، ويقول ياقوت في معجم البلدان في ترجمة "عكوتان": وجبلًا عكاد فوق مدينة الزرائب, وأهلها باقون على اللغة العربية من الجاهلية إلى اليوم, لم تتغير لغتهم بحكم أنهم لا يختلطوا بغيرهم من الحاضرة في مناكحتهم، وهم أهل قرار لا يظعنون عنه ولا يخرجون منه.
٢ كذا في ش، ب. وفي أ "انتقاص".
٣ الضعفة هنا: قلة الفطنة.
٤ كذا في أ. وفي ش، ب: "أحسن".