فإذا ألحقوا التاء أسكنوا العين؛ فقالوا: حَقِل١ حَقْلة, ومغَل مَغْلة٢. فقد ترى إلى معاقبة حركة العين تاء التأنيث. ومن ذلك قولهم: جَفْنة وجَفَنات, وقَصْعة وقَصَعات, لما حذفوا التاء حركوا العين.
فلما تعاقبت التاء وحركة العين٣ جريا٤ لذلك مجرى الضدين المتعاقبين, فلما اجتمعا في "فَعَلة" ترافعا أحكامهما فأسقطت التاءُ حكم الحركة, وأسقطت الحركة حكم التاء. فآل الأمر بالمثال إلى أن صار كأنه فَعْل، "فَعْل" باب تكسيره "أَفْعُل".
وهذا حديث من هذه الصناعة غريب المأخذ لطيف المضطرب. فتأمله فإنه مُجْدٍ عليك مُقَوٍّ لنظرك.
ومن "فَعَلة" و"أفعُل" رَقَبة وأَرْقُب، وناقة وأَيْنُق.
ومن ذلك أنَّا قد رأينا تاء التأنيث تعاقب ياء المد, وذلك نحو: فرازين٥ وفرازنة, وحجاجيح٦ وجحاجحة، وزناديق وزنادقة. فلما نسبوا إلى نحو حنيفة وبجيلة تصوروا ذلك الحديث أيضًا, فترافعت التاء والياء أحكامهما٧، فصارت حنيفة وبجيلة إلى أنهما كأنهما حَنِف وبَجِل, فجريا لذلك مجرى شَقِر٨ ونَمِر فكما تقول
١ الحقلة: من أدواء الإبل، يعنيها من أكل التراب مع البقل.
٢ المغلة: أيضًا داء في الحيوان من أكل البقل مع التراب.
٣ كذا في أ. وفي ش، ب "الإعراب".
٤ كذا في الأصول. والمناسب: "جرتا".
٥ واحده فرزان، وهو من لعب الشطرنج. وانظر ص١١٥ من الجزء الأول من هذا الكتاب.
٦ واحده جحجاح؛ وهو السيد.
٧ كذا في ش، ب. وفي أ "أحكامها".
٨ هو شقائق النعمان.