منه ومنه الاقتصار في بعض الأصول على بعض المثل ولا نعلم قياسا يدعو إلى تركه نحو امتناعهم أن يأتوا في الرباعي بمثال فَعلُل أو فُعلِل أو فَعَل أو فِعِل أو فُعُل ونحو ذلك. وكذلك اقتصارهم في الخماسي على الأمثلة الأربعة دون غيرها مما تجوزه القسمة. ومنه أن عدلوا فُعَلا عن فاعل في أحرف محفوظة. وهي ثعل وزحل وغدر وعمر وزفر وجشم وقثم وما يقل تعداده. ولم يعدلوا في نحو مالك وحاتم وخالد وغير ذلك فيقولوا: مُلك ولا حُتم ولا خُلد. ولسنا نعرف سببًا أوجب هذا العدل في هذه الأسماء التي أريناكها دون غيرها فإن كنت تعرفه فهاته.
فإن قلت: إن العدل ضرب من التصرف وفيه إخراج للأصل عن بابه إلى الفرع وما كانت هذه حاله أقنع منه البعض ولم يجب أن يشيع في الكل.
قيل: فهبنا سلمنا ذلك لك تسليم نظر فمن لك بالإجابة عن قولنا: فهلا جاء هذا العدل في حاتم ومالك وخالد وصالح ونحوها؛ دون ثاعل, وزاحل, وغادر, وعامر, وزافر, وجاشم, وقاثم؟ ألك ههنا نفق فتسلكه, أو مرتفق١ فتتوركه؟ وهل غير أن تخلد إلى حيرة الإجبال٢, وتخمد نار الفكر حالًا! على حال! ولهذا ألف نظير, بل ألوف كثيرة ندع الإطالة بأيسر اليسير منها.
وبعد فقد صح ووضح أن الشريعة إنما جاءت من عند الله تعالى؛ ومعلوم أنه سبحانه لا يفعل شيئًا إلا ووجه المصلحة والحكمة قائم فيه, وإن خفيت عنا
١ المرتفق: المنكأ، "فتتوركه" تعتمد عليه، والأصل في هذا أن يقال: تورك عليه؛ وضع وركه عليه.
٢ الإجبال: الانقطاع، يقال: أجيل الشاعر؛ صعب عليه القول، لا يتهيأ له سبيله. وأصل هذا أنه يقال: أجبل الحافر؛ انتهى إلى صلابة وجبل فلا يصيب ماء. وقد ضبط في المطبوعة: "الأجيال" بفتح الهمزة، ولا معنى لهذا هنا.