وصغاره خاسئ أبدًا, فيكون إذًا صفة غير مفيدة, وإذا جعلت "خاسئين" خبرًا ثانيًا حسن وأفاد حتى كأنه قال: كونوا قردة " و"١ كونوا خاسئين, ألا ترى أن ليس لأحد الاسمين من الاختصاص بالخبرية إلّا ما لصاحبه, وليس كذلك الصفة بعد الموصوف, إنما اختصاص العامل بالموصوف, ثم الصفة من بعد تابعة له.
ولست أعني بقولي: إنه كأنه قال تعالى: كونوا قردة, كونوا خاسئين, إن العامل في خاسئين عامل ثانٍ غير الأول, معاذ الله أن أريد ذلك, إنما هذا شيء يقدَّر مع البدل. فأما في الخبرين فإن العامل فيهما جميعًا واحد, ولو كان هناك عامل آخر لما كانا خبرين لمخبر عنه واحد, وإنما مفاد الخبر من مجموعهما٢. ولهذا كان عند أبي علي أن العائد على المبتدأ من مجموعهما لا من أحدهما؛ لأنه ليس الخبر بأحدهما بل بمجموعهما. وإنما أريد أنك متى شئت باشرت ب"كونوا" أي: الاسمين آثرت, ولست كذلك الصفة.
ويؤنّس بذلك أنه لو كانت "خاسئين" صفة ل"قردة" لكان الأخلق أن يكون "قردة خاسئة"، "وفي أن"٣ لم يقرأ بذلك البتَّة دلالة على أنه ليس بوصف. وإن كان قد يجوز أن يكون "خاسئين" صفة "لقردة على المعنى إذ كان المعنى"٤ أنها هي هم في المعنى, إلّا أن هذا إنما هو جائز وليس بالوجه, بل الوجه أن يكون وصفًا لو كان على اللفظ. فكيف وقد سبق ضعف الصفة ههنا. فهذا شيء عَرَض قلنا فيه ثم لنعد.
١ كذا في أ. وسقط في ش، ب.
٢ قد علمت أن مفاد الخبر في الآية ليس من مجموع "قردة" و"خاسئين", بل كل منهما يصح أن يكون خبر وحده، على هذا فلا يجيء ما شاه عليه بعد نقلًا عن أبي علي: أن العائد على المبتدأ من مجموعهما، فإن مذهب أبي علي هذا في نحو: "الرمان حلو حامض" لا فيما نحن فيه، وانظر الهمع ١/ ٩٥.
٣ كذا في ش، ب. وفي أ: "فإن".
٤ في أ "لقردة على المعنى". وما بين القوسين فيما عداها من الأصول.