باب في شجاعة العربية
اعلم أن معظم ذلك إنما هو الحذف والزيادة والتقديم والتأخير والحمل على المعنى والتحريف.
الحذف:
قد حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف والحركة, وليس شيء من ذلك إلّا عن دليل عليه, وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته.
فأمَّا الجملة فنحو قولهم في القسم: والله لا فعلت, وتالله١ لقد فعلت. وأصله: أقسم بالله, فحذف الفعل والفاعل وبقيت الحال -من الجار والجواب- دليلًا على الجملة المحذوفة. وكذلك الأفعال في الأمر والنهي والتحضيض نحو قولك: زيدًا, إذا أردت: اضرب زيدًا, أو نحوه. ومنه إياك إذا حذرته, أي: احفظ نفسك ولا تضعها, والطريق الطريق, وهلا خيرًا من ذلك. وقد حذفت الجملة من الخبر نحو قولك: القرطاس والله, أي: أصاب القرطاس. وخير مقدم؛ أي: قدمت خير مقدم. وكذلك الشرط في٢ نحو قوله: الناس مجزيون بأفعالهم٣ إن خيرًا فخيرًا, وإن شرًّا فشرًّا, أي: إن فعل المرء خيرًا جزي خيرًا, وإن فعل شرًّا جزي شرًّا. ومنه قول التغلبي ٤:
إذا ما الماء خالطها سخينا
١ كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "بالله".
٢ سقط في د، هـ، ز.
٣ في د، هـ، ز: "بأعمالهم".
٤ هو عمرو بن كلثوم في معلقته المشهورة. وانظر ص٢٩٠ من الجزء الأول.