يا حكم الوارث عن عبد الملك ... أوديت إن لم تحب حبو المعتنك١

أي: إن لم تحب أوديت. فجعل "أوديت" المقدَّمة دليلًا على "أوديت هذه المؤخَّرة. فكما جاز أن تجعل فعلت دليلًا على"٢ جواب الشرط المحذوف, كذلك جعل نفيها الذي هو لم أفعل دليلًا على جوابه. والعرب قد تجري الشيء مجرى نقيضه, كما تجريه مجرى نظيره؛ ألا تراهم قالوا: جوعان٣؛ كما قالوا: شبعان, وقالوا: علم٤؛ كما قالوا: جهل, وقالوا: كثر ما٥ تقومنّ؛ كما قالوا: قلَّما تقومنّ. وذهب الكسائي في قوله:

إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها٦

إلى أنه عدَّى "رضيت" بعلى لما كان ضدّ سخطت, وسخطت مِمَّا يعدَّى بعلى, وهذا واضح. وكان أبو علي يستحسنه من٧ الكسائي, فكأنه قال: إن ينج منها ينج غير مرقيّ منها, وصار قوله: لم "أرقه" بدلًا من الجواب ودليلًا عليه.

١ يريد الحكم بن عبد الملك بن بشر بن مروان. وبين الشطرين بضعة أشطار في الديوان. والمعتنك: البعير يصعد في العانك من الرمل، وهو المتعقد منه, ولا يقطعه البعير إلّا بجهد، والبعير قد يحبو حتى يقطعه، ويتلطف لذلك فهو يقول: إن لم تجهد في معونتي وتحتل لذلك وتتلطف فقد لحق بي الهلاك.
٢ سقط ما بين القوسين في ش, وثبت في د، هـ، ز.
٣ ذلك أن جوعان فعله جاع على فعل -بفتح العين- وفعلان قياس في الوصف من فعل بكسر العين كشبع، وإنما قياس الوصف من جاع جائع، ولكن جاء الوصف على وزان ضدّه وهو شبعان, فقيل: جوعان.
٤ كأنه يريد أن "علم" بابه أن يكون على فعل -بضم العين- لكونه غريزة كما يقام حلم؛ ولكنه حمل على جهل فجاء على فعل -بكسر العين- وجهل جاء هكذا حملًا على حرد. وانظر الكتاب ٢/ ٢٢٥.
٥ يريد أن نون التوكيد دخلت في "قلَّما تقومنَّ" لما في "قلما" من النفي الشبيه بالنهي، وقد حمل "كثر ما" على "قلما" فأكّد معها. وانظر ابن يعيش ٩/ ٤٣.
٦ انظر ص٣١٣، من هذا الجزء.
٧ كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "على". وفي ط: "عن".