ومن ذلك قوله:
فزججتها بمزَجَّة ... زجَّ القلوص أبي مزاده١
أي: زج أبي مزادة القلوص, ففصل بينهما بالمفعول به. هذا مع قدرته على أن يقول: زج القلوص أبو مزادة, كقولك: سرَّني أكل الخبز زيد, وفي هذا البيت عندي دليل على قوة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم, وأنه في نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول, ألا تراه ارتكب ههنا الضرورة مع تمكنه من ترك ارتكابها لا لشيء غير الرغبة في إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول.
فأما قوله٢:
يطفن بحوزي المراتع لم يُرَعْ ... بواديه من قرع القسيّ الكنائن
فلم نجد فيه بدًّا من الفصل؛ لأن القوافي مجرورة. ومن ذلك قراءة "ابن عامر"٣:
١ يقال: زجه: طعنه بالزج هو سنان الرمح, والمزجة: رمح قصير, والقلوص: الناقة الفتية. وكأنّ الضمير في "زججتها" لراحلته. وقوله: "بمزجة" كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "متمكنًا" ويذكر الزمخشري في المفصل أن هذا البيت يوجد في بعض نسخ الكتاب، وأن سيبويه يرمي من عهدته، وانظر العيني ٣/ ٤٦٨، والخزانة ٢/ ٢٥١، وابن يعيش ٣/ ١٩.
٢ أي: الطرماح. وقبله:
يخافتن بعض المضغ من خشية الردى ... وينصتن للسمع إنتصات القناقن
وهو في وصف بقر الوحش, والقناقن -بفتح القاف الأول- جمع القنقن -بكسر القافين, والقناقن -بضم القاف الأولى وكسر الثانية- وهو المهندس الذي يعرف الماء تحت الأرض. والحوزي: فحلها، وهو الأصل المتوحد، وقوله: "لم يرع بواديه" أي: يفزع بالوادي الذي هو فيه. وفي اللسان "حوز", والديون ١٦٩: "ترع بوادية", وضبط "ترع" بالبناء للقاعل، و"باديه" بفتح الباء جمع البادي، أو البادية. وفي شواهد العيني ٣/ ٤٦٤: "وأراد بالبوادي البوادر" وواحدها بادرة، وهي ما يظهر عند الغضب من حدة وغيرها. وقوله: "من قرع القسي الكنائن" أي: من تعرض الصاد له.
٣ كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "من قرأ".