فإن قيل: فقد ثبت بما أوردته كون هذه الكلم أسماء، ولكن ليت شعري ما كانت الفائدة في التسمية لهذه الأفعال بها؟
أحدها السعة في اللغة، ألا تراك لو احتجت في قافية بوزن قوله١:
لأمكنك أن تجعل إحدى قوافيها "دهدرين"، ولو جعلت هنا ما هذا اسمه -وهو بطل- لفسد وبطل. وهذا واضح.
والآخر المبالغة. وذلك أنك في المبالغة لا بد أن تترك موضعًا إلى موضع؛ إما لفظًا إلى لفظ، وإما جنسًا إلى جنس، فاللفظ٣ كقولك: عراض، فهذا قد تركت فيه لفظ عريض. فعراض إذًا أبلغ من عريض. وكذلك رجل حسان ووضاء؛ فهو٤ أبلغ من قولك: حسن، ووضئ، وكرام أبلغ من كريم؛ لأن كريمًا على كرم وهو الباب وكرام خارج عنه. فهذا٥ أشد مبالغة من كريم. قال الأصمعي: الشيء إذا فاق في جنسه٦ قيل له: خارجي. وتفسير هذا ما نحن بسبيله، وذلك أنه لما خرج عن معهود حاله أخرج أيضًا عن معهود لفظه. ولذلك أيضًا إذا أريد بالفعل المبالغة في معناه، أخرج عن معتاد حاله من التصرف فمنعه. وذلك نعم وبئس وفعل التعجب. ويشهد لقول الأصمعي بيت طفيل:
وعارضتها رهوا على متتابعٍ ... شديد القصيرى خارجي محنب٧
١ سقط في ش.
٢ ورد في اللسان "جفف" منسوبا لأبي ميمون العجلي وبعده:
من قيس عيلان وخيل الجفين
٣ كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واللقظ".
٤ كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وهو".
٥ كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهو". وقد ورد في كرام تشديد الراء وتخفيفها.
٦ كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "حسنه".
٧ عارضتها أي الخيل المذكورة قبل هذا البيت، ورهوا أي عدوا سهلا، ويريد بالمتتابع فرسا مطرد الخلق مشتبه، وش: "متتابع" أي متهالك في السرعة إن صحت الرواية، والقصيري: ضلع الخلف، والمحنب: الذي في ذراعه ما يشبه التحدب، والبيت من قصيدة في أول ديوانه.