فعن حنظلة بن خويلد العنبري، قال: «بينما أنا عند معاوية، إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمَّار، يقول: كل واحد منهما أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطِبْ به أحدكما نفساً لصاحبه، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: تقتله الفئة الباغية، قال معاوية: فما بالك معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أطع أباك ما دام حيا، ولا تعصه. فأنا معكم ولست أقاتل» (١).
فعبد الله بن عمرو مع كونه مع أبيه عمرو ومعاوية، إلا أنه لم يرتضِ تأويل معاوية، وأجرى الحديث على ظاهره، مُقِرَّاً بأن من باشر القتل هو الباغي.
ولكن ثمَّ تأويلٌ آخر، لعل له وجهاً وحظَّاً من النظر، ذكره شيخ الإسلام ابن تيْميَّة، وهو قوله:
«ثم (إنَّ عمَّارا تقتله الفئة الباغية) ليس نصاً في أن هذا اللفظ لمعاوية وأصحابه، بل يمكن أنه أُريد به تلك العصابة التي حملت عليه حتى قتلته، وهي طائفة من العسكر، ومن رضي بقتل عمار كان حكمه حكمها. ومن المعلوم أنه كان في العسكر من لم يرض بقتل عمَّار: كعبد الله بن عمرو بن العاص، وغيره؛ بل كل الناس كانوا منكرين لقتل عمَّار، حتى معاوية، وعمرو» (٢).
ليلة الهرير، وآخر أيام القتال
بعد أن قُتل عمَّار اشتعلتْ نار الحرب مرة أخرى، وأذكى لهيبَها حماسُ جيش علي، بعدما تبين لهم أنهم أولى بالحق من غيرهم، وفي المقابل استمات أهل الشام في المقاومة والدفاع، وبلغ الأمر أن صلَّى عليٌّ في تلك الليلة صلاة الخوف.
قال الشافعيُّ: «وحُفظ عن عليٍّ أنه صلَّى صلاة الخوف ليلة الهرير» (٣).
(١) إسناده صحيح: أخرجه أحمد (٦٥٣٨)، والبخاري في التاريخ الكبير (٣/ ٣٩) والنسائي في خصائص علي (١٦٤)، وقال الذهبي في المعجم المختص (ص: ٩٦): "إسناده جيد".
(٢) مجموع الفتاوى (٣٥/ ٧٦ - ٧٧).
(٣) التلخيص الحبير (٢/ ١٥٧).