وعن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل -وكان من أفضل أصحاب عبد الله بن مسعود- قال: «رأيتُ في المنام كأني أُدخلت الجنة, فرأيت قباباً مضروبة, فقلت: لمن هذه؟ فقيل: هذه لذي الكلاع وحوشب, وكانا ممن قُتل مع معاوية يوم صفِّين, قال: قلت: فأين عمَّار وأصحابه؟ قالوا: أمامك، قلت: وكيف وقد قتل بعضهم بعضاً؟ قال: قيل: إنهم لقوا الله فوجدوه واسع المغفرة» (١).
ومن ثَمَّ تقرر عند أهل السنة الإمساك عن الكلام فيما شَجَر بين هؤلاء الصحابة الأفاضل، وعدم الخوض في ذلك إلا بما هو لائقٌ بهم، وهذه نصوصهم ناطقةٌ بما في قلوبهم؛ ومنها:
عن يزيد بن بشر الكلبي قال: «سُئِل عمر بن عبد العزيز عن علي, وعثمان, والجمل, وصفِّين, وما كان بينهم, فقال: تلك دماء كفَّ الله يدي عنها, وأنا أكره أن أغمس لساني فيها» (٢).
قال البيهقيُّ -مُعلِّقاً على قول عمر بن عبد العزيز-: «هذا حسنٌ جميل، لأن سكوت الرجل عما لا يعنيه هو الصواب» (٣).
(١) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (٣٧٨٤٤)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (٣/ ٣١٤)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (٢٠٢٠)، وأبو نعيم في الحلية (٤/ ١٤٣، ٩/ ٦٢)، والبيهقي (١٦٧٢٠).
(٢) حسن بمجموع طرقه: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (٥/ ٣٩٤)، وفي سنده خالد بن يزيد بن بشر الكلبي، ترجم له ابن عساكر في تاريخ دمشق (١٦/ ٢٨٤)، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
وأخرجه الخطابي في العزلة (ص: ٤٤)، وأبو نعيم في الحلية (٩/ ١٤٤) من طريق الشافعي قال: "قيل لعمر بن عبد العزيز: ما تقول في أهل صفِّين؟ فقال: تلك دماء طهر الله يدي منها، فلا أحب أن أخضب لساني بها". وهذا مع انقطاعه إلا أنه يقوِّي الطريق الأول، ويشدُّ من أزره.
(٣) مناقب الشافعي لفخر الدين الرازي (ص: ١٣٦).