الفصل الثاني معاوية - رضي الله عنه - والخلافة
خلافة الحسن بن علي - رضي الله عنه -
كان عليٌّ - رضي الله عنه - يستشعر دنوَّ أجله، لكنه مع ذلك لم يعهد لأحد بالخلافة من بعده، ولم يشر على من حوله بشيء، وإنما تركهم ليختاروا لأنفسهم.
فعن عبد الله بن سبع، قال: «سمعت عليَّاً يقول: لتخضبن هذه من هذا، فما ينتظر بي الأشقى؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، فأخبرنا به نبير عترته، قال: إذا تالله تقتلون بي غير قاتلي، قالوا: فاستخلف علينا، قال: لا، ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: فما تقول لربك إذا أتيته؟ قال: أقول: اللهم تركتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني إليك وأنت فيهم، فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم» (١).
ولما أُصيب علي - رضي الله عنه - حاول البعض أن يدفعوه لتوليه ابنه الحسن من بعده؛ فلم يستجب لهم.
يقول الطبريُّ: «وذُكر أن جندب بن عبد الله دخل على عليٍّ فسأله، فقال: يا أمير المؤمنين، إنْ فقدناك- ولا نفقدك- فنبايع الحسن؟ فقال: ما آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر» (٢).
وبعد دفن عليٍّ، سارع أهل الكوفة لمبايعة ولده الحسن على الخلافة من بعده، وكان ذلك سنة أربعين من الهجرة.
قال الطبري: «وفي هذه السنة- أعني سنة أربعين- بويع للحسن بن على - رضي الله عنه - بالخلافة، وقيل: إن أول من بايعه قيس بن سعد، قال له: ابسط يدك أبايعك على كتاب الله - عز وجل -، وسنة نبيه، وقتال المحلين، فقال له الحسن - رضي الله عنه -: على كتاب الله وسنة نبيه، فإن ذلك يأتي من وراء كل شرط، فبايعه وسكت، وبايعه الناس» (٣).
(١) صحيح الإسناد إلى ابن سبع: أخرجه أحمد (١٠٨٧)، وثم كلام في توثيق ابن سبع، لا ينزل حديثه عن الحسن إن شاء الله، فانظره مع تتمة تخريج الحديث وشواهده في كلام محققي المسند (٢/ ٣٢٥)، عند حاشية هذا الحديث.
(٢) تاريخ الطبري (٥/ ١٤٦ - ١٤٧).
(٣) تاريخ الطبري (٥/ ١٥٨)، وقد ورد هناك رواية صحيحة الإسناد إلى الزهري تفيد بمبايعة قيس بن سعد له، لكنها من مراسيل الزهري.