ولم يكتفِ الحسن - رضي الله عنه - بذلك، بل أتى بقيس بن سعد بن عبادة قائد عسكره ليبايع معاوية (١).
فعن جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين قال: «لما بايع الحسن معاوية، ركب الحسن إليه إلى عسكره، وأردف قيس بن سعد بن عبادة خلفه، فلما دخلا العسكر قال الناس: جاء قيس، جاء قيس، فلما دخلا على معاوية بايعه الحسن، ثم قال لقيس: بايع. فقال قيس بيده هكذا، وجعلها في حجرة ولم يرفعها إلى معاوية! ومعاوية على السرير، فبرك معاوية على ركبتيه، ومد يده حتى مسح على يد قيس وهي في حجره.
قال جرير: وحكى لنا محمد -يعني: ابن سيرين- صنيعه، وجعل يضحك، وكان قيس رجلا جسيما» (٢).
وكان قيس بن سعد معرضا في بداية الأمر عن البيعة، ثم شرح الله صدره لهذه البيعة، هو ومن معه.
فعن عروة بن الزبير قال: «كان قيس بن عبادة مع علي مقدمته, ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رءوسهم بعدما مات علي, فلما دخل الحسن في بيعة معاوية أبى قيس أن يدخل, فقال لأصحابه: ما شئتم؟ إن شئتم جالدت بكم أبدا حتى يموت الأعجل, وإن شئتم أخذت لكم أمانا, فقالوا له: خذ لنا أمانا, فأخذ لهم أن لهم كذا وكذا ولا يُعاقَبوا بشيء; وإني رجل منهم, ولم يأخذ لنفسه شيئا, فلما ارتحلوا نحو المدينة ومضى بأصحابه جعل ينحر لهم كل يوم جزورا حتى بلغ» (٣).
(١) تذكر بعض الروايات في تاريخ الطبري (٤/ ٥٥٢ - ٥٥٣) أن معاوية حاول استمالة قيس في زمن علي بن أبي طالب، وكان عامله على مصر، فلما فشل في ذلك أثار بين الناس أن قيسا معه، حتى بلغ ذلك عليَّاً فعزله، وجعل الأشتر مكانه! وهذا مع نكارة متنه، ومعارضته للثابت المتقدم من تواجد قيس مع علي ثم مع الحسن من بعده؛ فإنه من مراسيل الزهري، وقد قدَّمنا الكلام عنها.
(٢) إسناده صحيح: أخرجه البلاذري في أنساب الأشراف (٣/ ٥٠ - ٥١).
(٣) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (٣٠٥٨١).