فعن سعيد بن جبير: «أن عبد الله بن الزبير قال لمعاوية في الكلام الذي جرى بينهما في بيعة يزيد: وأنت يا معاوية أخبرتني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا كان في الأرض خليفتان فاقتلوا آخرهما» (١).
لكنْ الملاحَظ هنا: هو أن المعارضين لم يذكروا قدحاً في يزيد، وإلا كيف يمكن أن يتجاهلوا صفات يزيد التي اتُّهِم بها فيما بعد؟ وخاصة في ذلك الموقف الذي يتطلب حشد أي دليل في مقابل الخصم. ولعلَّ هذا كان أحد أهم الأسباب التي جعلت معاوية يصمِّم على رأيه، مع أسباب أخرى، نبينها فيما يلي.
دوافع ترشيح معاوية لابنه يزيد للخلافة بعده
١ - الحفاظ على وحدة الأمة، والخوف عليها من الاختلاف والنزاع
فمعاوية - رضي الله عنه - ممن عاينوا الحروب والنزاعات، وذاقوا ويلاتها، وقد أصيب منها، وفقد من إخوانه وأصحابه فيها من فقد، ثم هو بعد ذلك الذي جمع الله له الكلمة بعد صلحه مع الحسين، ولا يزال يرى أن في الأمة بقايا من بذور الشقاق، مهيَّأة أن تنبت وتستوي على سوقها إذا توافر لها من يقوم بحرثها والاعتناء بها، ومن هنا فكَّر معاوية في تسمية ومبايعة من يجتمع عليه المسلمون بعده.
وقد صرَّح معاوية بهذا في كلامه مع ابن عمر؛ فقال له: «إني أرهب أن أدع أمة محمد بعدي كالضأن لا راعى لها» (٢). وفي رواية قال له: «إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع» (٣).
وسيأتي -بعد قليل- كلام ابن خلدون في تأييده لهذا الدافع.
(١) إسناده ضعيف: أخرجه الطبراني في الكبير (١٩/ رقم ٧١٠)، والأوسط (٣٨٨٥)، وقال الهيثمي في المجمع (٥/ ١٩٨): "رجاله ثقات". قلتُ (أحمد): في سنده سعيد بن بشير، ضعيف، كما في التقريب (٢٢٧٦).
(٢) إسناده ضعيف: أخرجه الطبري في تاريخه (٥/ ٣٠٤)، وفي سنده رجل مبهم لم يُسمَّ.
(٣) البداية والنهاية (١١/ ٣٠٨) بدون إسناد.