هذا هو محل الخلاف إذاً، فهم لا يرون يزيد كفئاً، ويخشون من توريث الحكم، ومعاوية يراه كفئا، وهو أحق بالأمر من غيره، ولا يمنعه من ذلك أن كان أبوه الخليفة، وأيَّد موقف معاوية: أنه لم ير اعتراضا على رأيه من أكثر المسلمين، ومن بيدهم غلبة وقوة، ويدخلون في مصطلح: "أهل الحل والعقد".
- وأما اعتراض بعضهم بأنه لا يرى صحة مبايعة خليفتين في وقت واحد، فهذا أمر انفرد به ابن الزبير، ولم يقل معاوية أنه سيجعل ابنه خليفة معه حتى يتحير الناس، من يطيعون ومن يعصون، وإنما لا يكون يزيد خليفة شرعيا حتى يموت معاوية، أو يُعلن تنازله التام عن الخلافة له. هذا إن ثبت عن ابن الزبير أنه اعترض بهذا الاعتراض من الأصل (١).
هل كان معاوية مصيبا في عهده ليزيد بالخلافة من بعده؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال علينا أن نعلم أن هذه مسألة اجتهادية، وأن معاوية - رضي الله عنه - كان من أهل الاجتهاد، لذا فاختياره دائر بين الأجر والأجرين، تحقيقا لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب؛ فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ؛ فله أجر» (٢).
ولا شكَّ أيضا أن مسألة عهد معاوية - رضي الله عنه - نفسها بالخلافة لأحد من بعده، تخوفا على الأمة من النزاع والفرقة والاختلاف؛ أمر يُحمد له، ويُشكر عليه.
ولنتصور أن معاوية - رضي الله عنه - سلك إحدى الأمور الثلاث الآتية:
- ترك الناس بدون خليفة من بعده، مثلما فعل حفيده معاوية بن يزيد.
(١) تقدَّم أن الإسناد بذلك إليه ضعيف، وقد قال الشيخ محب الدين الخطيب في تعليقه على العواصم من القواصم (ص: ٢١٧): ابن الزبير أذكى من أن يفوته أن البيعة ليزيد بعد معاوية، وليست لهما معا في حياة معاوية، والذين اخترعوا هذه الأخبار وأضافوها إلى وهب بن جرير بن حازم يكذبون كذبا مفضوحا".
(٢) متفق عليه: أخرجه البخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (١٧١٦) عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -.