خامساً: وأما صنيع الإمام البخاري في صحيحه؛ فإنه لا يدل على ما ذهبوا إليه، ذلك أنَّ البخاري قد ترجم لصحابة آخرين ممن اشتُهر الثناء عليهم، وعلم بالتواتر علو منزلتهم ومكانتهم، وبوَّب لهم بنفس التبويب؛ ومن هؤلاء: طلحة بن عبيد الله، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عباس، فنجد البخاري في صحيحه يقول: «باب ذكر طلحة بن عبيد الله»، «باب ذكر أسامة بن زيد»، «باب ذكر عبد الله بن عباس».
يقول الشيخ عبد العزيز بن أحمد الفريهاري (١): «وأما الجواب عما فعله البخاري: فإن تفنُّنٌ في الكلام، فإنه فعل كذا في أسامة بن زيد، وعبد الله بن سلام، وجبير بن مطعم، فذكر لهم فضائل جليلة معنونة بالذكر» (٢).
واستنبط الحافظ ابن حجر معنىً آخر من الترجمة فقال: «عبَّر البخاري في هذه الترجمة بقوله: ذكر، ولم يقل: فضيلة، ولا منقبة؛ لكون الفضيلة لا تؤخذ من حديث الباب، لأن ظاهر شهادة ابن عباس له بالفقه والصحبة دالة على الفضل الكثير» (٣).
ومع هذا كله:
فمن الإنصاف أن نقول: إن هناك عدداً كبيراً من الأحاديث الباطلة والضعيفة والموضوعة قد رُوي في فضل معاوية، وكأن هؤلاء أرادوا أن يواجهوا الهجوم الشرس عليه، فوضعوا تلك الأحديث له، وهو - رضي الله عنه - لا حاجة له بها، فقد أغناه الله عن كل هذا.
يقول الإمام ابن القيم: «ومن ذلك ما وضعه بعض جهلة أهل السنة في فضائل معاوية ابن أبي سفيان» (٤).
وقال الحافظ ابن حجر في ترجمة إسحاق بن محمد بن إسحاق السوسي: «ذاك الجاهل الذي أتى بالموضوعات السمجة في فضائل معاوية، رواها عُبَيد الله السقطي عنه (٥)، فهو المتهم بها أو شيوخه المجهولون» (٦).
(١) توفي سنة ١٢٣٩ هـ.
(٢) الناهية عن طعن أمير المؤمنين معاوية (ص: ٦٨).
(٣) فتح الباري (٧/ ١٠٤).
(٤) المنار المنيف (ص: ١١٦).
(٥) له جزء مخطوط بعنوان: "فضائل أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان".
(٦) لسان الميزان (٢/ ٧٥).