وقال ابن حجر الهيتمي: «يحتمل أن هذا الدعاء جرى على لسانه - صلى الله عليه وسلم - من غير قصد، كما قال لبعض أصحابه: تربت يمينك، ولبعض أمهات المؤمنين: عقرى حلقى، ونحو ذلك من الألفاظ التي كانت تجري على ألسنتهم بطريق العادة، من غير أن يقصدوا معانيها» (١).
ثانياً: أن هذا الدعاء مما ينتفع به معاوية في الآخرة، حتى لا يكون ممن يجوع يوم القيامة، لأن الخبر عنه أنه قال: «أكثر الناس شبعا في الدنيا؛ أكثرهم جوعا يوم القيامة» (٢).
لكن الذهبيَّ لم يرتضِ هذا التأويل، وقال: «هذا ما صح، والتأويل ركيك» (٣).
ثالثاً: أن الدعاء على حقيقته (٤)، وليس في هذا ما ينقص قدر معاوية في الآخرة، فغاية ما فيه طول مدة الأكل، وكل من لم يضره نقص أخروي فلا ينافي الكمال (٥). وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في الدنيا، فقد كان معدودا من الأكلة.
قال ابن كثير: «وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأخراه، أما في الدنيا: فإنه لما صار في الشام أميرا، كان يأكل في اليوم سبع مرات، يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها، ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم، ومن الحلوى والفاكهة شيئا كثيرا، ويقول: والله ما أشبع، وإنما أعيى. وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كل الملوك» (٦).
وقال الذهبي: «وقد كان معاوية معدودا من الأكلة» (٧).
(١) تطهير الجنان (ص: ١٠٣).
(٢) هذا الحديث رُوي من طريق ابن عمر، وأبي جحيفة، وابن عمرو، وابن عباس، وسلمان، وقد صحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (١/ ٦٧٢)، وتتبع طرقه، فانظره هناك.
(٣) سير أعلام النبلاء (٣/ ١٢٤).
(٤) المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (٦/ ٥٨٩).
(٥) تطهير الجنان (ص: ١٠٣).
(٦) البداية والنهاية (١١/ ٤٠٢).
(٧) سير أعلام النبلاء (٣/ ١٢٤).