كذلك لم تتوقَّف يمينُ معاوية عن الكتابة والخط بموت النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل استكتبه أيضا أبو بكر - رضي الله عنه -، وهذا مزيد دليلٍ على أمانته.
فعن عروة بن الزبير قال: «دخلتُ على معاوية فقال لي: ما فعل المسلول؟ قال: قلتُ: هو عندي. فقال: أنا والله خططته بيدي، أَقْطَعَ أبو بكر الزبير - رضي الله عنه - أرضاً فكنت أكتبها، قال: فجاء عمر، فأخذ أبو بكر - يعني الكتاب - فأدخله في ثني الفراش، فدخل عمر - رضي الله عنه - فقال: كأنكم على حاجة؟ فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: نعم، فخرج، فأخرج أبو بكر الكتاب فأتممته» (١).
وظلَّ معاوية - رضي الله عنه - على هذا الحال، من الغزو والجهاد ونشر الدين، حتى لحق الصدِّيق - رضي الله عنه - بربه، بعد أن عهد إلى عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - بالخلافة من بعده.
معاوية مع عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنهما-:
على نفس منوال أبي بكر - رضي الله عنه - في استعمال معاوية - رضي الله عنه - في الغزو والجهاد، نَسَجَ الخليفة الجديد عمر - رضي الله عنه -، وفي المقابل: فإن معاوية لم يألُ جهداً في خلافة عمر في السمع والطاعة، والبذل والحركة، وساعده على ذلك ما كان فيه من نشاط الشباب وحماسه.
ففي سنة خمس عشرة من الهجرة (٢)،
(١) إسناده صحيح: أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (٣/ ٣٧٣).
(٢) هكذا أرَّخ لها الطبري، لكن خالفه غيره، فنقل ابن عبد البر في الاستيعاب (٣/ ١٤١٧) -بسند صحيح- عن الوليد بن مسلم أن فتح قيسارية على يد معاوية كان في العام التاسع عشر للهجرة، ونقل مثله أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (ص: ١٧٩) عن أحمد بن حنبل، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٥٩/ ١١٥ - ١١٦) عن الليث بن سعد، فالله أعلم بالصواب.
ثم وجدتُ الطبري في موضع آخر (٤/ ١٠٢) ذكر خلافا أوسع من ذلك، فقال: "وقال أبو معشر: كان فتح قيسارية في هذه السنة- أعني سنة تسع عشرة- وأميرها معاوية بن أبي سفيان. وكالذي قال أبو معشر في ذلك قال الواقدي.
وأما ابن إسحاق فإنه قال: كان فتح قيسارية من فلسطين وهرب هرقل وفتح مصر في سنة عشرين.
وأما سيف بن عمر فإنه قال: كان فتحها في سنة ست عشرة".