للحقّ حينَ ينوبُ غيرَ تنحلٍ (١) ... كَذِبَاً، وأندَاها يداً، وأقَلّها
فُحشاً، وأكثرِها، إذا ما يُجتدَى (٢) ... فضلاً، وأبذلها ندى، وأَبَلَّها
بالعُرفِ غَير مُحمد لا مِثله... حي من أحياء البرية كلِّها (٣)
وينهض بعد حسّان، كعب بن مالك، فيرسل شعره الجزل:
نَامَ الْعُيُونُ وَدَمْعُ عَيْنِك يَهْمُلُ... سَحّا كَمَا وَكَفَ الطّبَابُ (٤) الْمُخْضَلُ
فِي لَيْلَةٍ وَرَدَتْ عَلَيّ هُمُومُهَا... طَوْرًا أَحِنّ وَتَارَةً أَتَمَلْمَلُ (٥)
وَاعْتَادَنِي حُزْنٌ فَبِتّ كَأَنّنِي بِبَنَاتِ... نَعْشٍ وَالسّمَاكِ مُوَكّلُ
وَكَأَنّمَا بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَالْحَشَى... مِمّا تَأَوّبَنِي شِهَابٌ مُدْخَلُ
وَجْدًا عَلَى النّفَرِ الّذِينَ تَتَابَعُوا... يَوْمًا بِمُؤْتَةِ أُسْنِدُوا لَمْ يُنْقَلُوا
صَلّى الْإِلَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فِتْيَةٍ... وَسَقَى عِظَامَهُمْ الْغَمَامُ الْمُسْبِلُ (٦)
صبَرُوا (٧) بِمُؤْتَةِ لِلْإِلَهِ نُفُوسَهُمْ... حَذَرَ الرّدَى وَمَخَافَةً أَنْ يَنْكُلُوا (٨)
فَمَضَوْا أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ كَأَنّهُمْ... فُنُقٌ (٩) عَلَيْهِنّ الْحَدِيدُ الْمُرْفَلُ (١٠)
(١) تنحّل: الانتحال والكذب أيضاً.
(٢) يجتدى: تطلب جدواه والجدوى بفتح الميم هي المنحة والعطيّة.
(٣) سيرة ابن هشام (٢/ ٣٨٧)، السيرة النبوية لابن كثير (٣/ ٤٨٦)، الروض الأنف (٤/ ١٣٧).
(٤) الطباب: جمع طبابة وهى سير في أسفل القربة يين الخرزتين في المزادة.
(٥) أتململ: أي أنقلب متبرما بمضجعي.
(٦) المسبل: الممطر.
(٧) صبروا نفوسهم: حبسوها على ما يريدون.
(٨) ينكلوا: يرجعوا هائبين لعلوهم.
(٩) الفنق: جمع فنيق، وهو الفحل المكرم الذى لا يركب.
(١٠) المرفل: السابغ.