الأساقفة وحاشية الملك، وإن هم نفوا عنه البشرية خرجوا عن دينهم.
إنه موقف صعب حاد، يضع المسلمين بين أمرين أحلاهما مر.
وبعد أن طلبا مقابلة الملك، بدء عمرو كلامه للملك بالتهويل، إذ ذكر أن المسلمين يقولون في عيسى قولاً عظيماً، وهنا غضب الأساقفة وارتفعت أصواتهم.
وبناء على ذلك طلب النجاشي المسلمين مرّة أخرى ليسألهم عن موقفهم من عيسى عليه السلام.
واتفق المسلمون على أن يقولوا الحق الذي عليه دينهم بعد أن علموا بالمؤامرة الجديدة، لا يجاملون في ذلك ملكاً أو ديناً غير دينهم.
وبدء الإجتماع الجديد بسؤال النجاشي لجعفر: ماذا تقولون في عيسى؟
فأجابه جعفر غير متلكِّعٍ أو متردد: نقول فيه ما جاءنا به نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -: هو عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
فما كان من النجاشي إلا أن أقرَّ جعفراً على ما قاله في عيسى عليه السلام، معلنا أنَّ هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، وأمَّنهم بأرض الحبشة، وهدَّد بعقاب من يسبهم أو يؤذيهم، ثم ردَّ هدايا وفد قريش، ولم يأبه لغضب وضجر الأساقفة.
وهكذا رجع مبعوثاَ قريش إلى مكة مخذولين، يجرَّان خيبة الهزيمة، وخرج المسلمون مع خطيبهم جعفر ليستأنفوا حياتهم الآمنة في الحبشة، لابثين فيها بخير دار مع خير جار، حتى يأذن الله لهم بالعودة إلى رسولهم وإخوانهم وديارهم.