أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ " (١).
ولعلَّه - رضي الله عنه - أراد إلى جانب حقيقة السُّؤال أنْ يوطِّئ لعائشة - رضي الله عنها -؛ لِتصْبِرَ على فَقْدِهِ، ممّا يُظْهِرُ فراسته وثباته حين وفاته.
استدراكها - رضي الله عنها - ومقاييس نقد الحديث عندها
لا عجبَ أنْ تُسْهِمَ عائشةُ - رضي الله عنها - في حِفْظِ السُّنَّة، فهي معدودة في علماء الصَّحابة - رضي الله عنهم -، ومن المكثرين بين الصَّحابة في علم الحديث رواية ودراية.
وروايتها الحديث منقبة عظيمة لها، فهي أحفظ الصَّحابيَّات وأكثرهنَّ في رواية الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس لواحدة من الصَّحابيَّات قَدْرُها في رواية الحديث ولا ما يقاربه.
رَوَتْ عائشة - رضي الله عنها - عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الكثير الطَّيِّبَ، وروت عن أَبِيهَا، وعن عُمَرَ، وفَاطِمَةَ الزَّهراء، وسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاص، وأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْروغيرهم، وروى عنها مِن الصًّحابة عُمَرُ، وابنه عَبْدُ الله، وأبو هريرة، وأبو موسى الأَشْعَرِيّ، وابْنُ عبَّاس وغيرهم، ومن كبار التَّابعين حدَّث عنها سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، وعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، ومَسْرُوق، وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ.
وهي رائدة نساء الأمَّة في توثيق السُّنَّة على الإطلاق، وأسوة في نقد الحديث باستدراكاتها، ولا غَرْوَ؛ فقد تربَّت في بيت أبي بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه -، وفي بيت النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مهبط الوحي، ومَعِين العِلْم.
ولا ريب أنَّها تدرك وجه خيريَّة السُّنَّة نظماً ومعنى واعتقاداً وقولاً وفعلاً،
(١) البخاري "صحيح البخاري" (م ١/ج ٢/ص ١٠٦) كتاب الجنائز.