يُطْلَب مِنْ أمور دينهم ودنياهم.
ولذلك كانت أمَّهات المؤمنين يذكرن ما أمرهنَّ الله به، وكان الصَّحابة - رضي الله عنهم - يسألونهنّ خاصَّة عائشة، ولعلَّ هذا ممَّا رفع مِن قدْرهنَّ، فما زال النَّاس يترضَّون عنهنَّ وعمَّن رضي الله عنهم.
والحجاب في الآية: {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} المراد به حجاب البيوت، حيث المرأة مبتذلة في بيتها، فأوجب الله تعالى على المؤمنين إذا سألوا أمَّهات المؤمنين أنْ يسألوهنَّ مِن وراء حجاب (سِتْر)، ولذلك كانت أمُّ المؤمنين عائشة تعلِّم النَّاس مِنْ وراء حجاب امتثالاً لأمر الله تبارك تعالى، ففي الصَّحيحين عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: "سَمِعْتُ عَائِشَةَ ـ وهي مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ ـ تُصَفِّقُ، وَتَقُولُ: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْي رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيّ " (١) الحديث.
كما أمر الله تعالى أمَّهات المؤمنين ـ والنّساء تبع لهنَّ ـ بالحجاب إذا خَرَجْنَ
مِنْ بيوتهنَّ، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ (٥٩)} الأحزاب، فآية الحجاب عند المخاطبة في المساكن، وآية الجلابيب عند الخروج من المساكن.
قلت: وكيف لا تُسْألُ أمُّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن دين، وقد قيل لمسروق: هل كانت عَائِشةُ تُحْسِنُ الفرائِضَ؟ قال: "والَّذي نفسي بيده، لقد رأيْتُ مَشْيَخةَ
(١) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٥/ج ٩/ص ٧٣) كتاب الحجِّ، والبخاري "صحيح البخاري" (م ٣/ج ٦/ص ٢٣٩) كتاب الأضاحي.