أخرى، وفيما ذكرنا غِنَى لمن وَعَى وارْعَوى.
هذا وليس أبغض إلى الوضَّاعين مِن أهل الحديث، الَّذين نخلوا الرِّوايات
وميَّزوا الطَّيِّبَ مِن الخبيث، وقد أحسن القائل:
أَهْلُ الْحَدِيثِ هُمُ أَهْلُ النَّبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَصْحَبُوا نَفْسَهُ أَنْفَاسَهُ صَحِبُوا
فطوبى لأهل الحديث الَّذين دعا لهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالنّضرة، فقال: " نَضَّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ منه" (١).
ويا حسرة على مَن يظنّ أنَّ الكذب يفيء عليه مغنماً، أو أنَّ الصِّدق يخسر فيه درهماً، أو يجرّ عليه مغرماً؛ فلو جاء يوم القيامة بكلّ معذرة يعتذر بها ما تقبّل منه، {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (١٥)} القيامة.
ويفتّ في عضدك، ويقلق مرقدك، أن تجد مَنْ يتأشَّب إلى الوضَّاعين الّذين مَا اشْتَمَلَتِ النِّسَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَكْذَبَ مِنْهم، ويقتفي أثرهم وينشر خبرهم.
لقد خسر الَّذين اكتتبوا هذه الأحاديث، ويمّموا وجوه النَّاس إليها، وجعلوا كلام الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وراء ظهورهم: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩)} البقرة.
أين تذهب عنهم هذه الآيات: {إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (٢١)} يونس، {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ (١٢)} يس، {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ
(١) أحمد "المسند" (ج ١٦/ص ٣٢/رقم ٢١٤٨٢) وإسناده صحيح.