اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا، فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الجنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" (١).
فالمعنى الَّذين يُنْسَبُون إلى صحبتي، ويتشبَّهون بأصحابي، فهو على المجاز، ولذلك احترز - صلى الله عليه وسلم -، فقال:"فِي أَصْحَابِي" ولم يقل: (مِن أصحابي) أي يدخلون في زمرة الصَّحابة وليسوا منهم، وذلك مثل قولنا: إبليس كان في الملائكة وليس منهم، وهؤلاء كانوا اثني عشر منافقاً في الصَّحابة، ولا يصحّ أن يُقَال: كانوا منهم.
وكان حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهم - قد خُصَّ بِمَعْرِفَةِ أَسْمَاءِ هؤلاء المُنَافِقِينَ، فهو صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ.
واعلم أنَّ الله تعالى قد رفع قَدْرَ الصَّحابة، فجعل إيمانهم معياراً ومقياساً لمن يأتي مِنْ بعدهم، فقال سبحانه: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ (١٣٧)} البقرة.
والآية في معناها أقوال أحدها: فإن آمنوا إيماناً مثل إيمانكم، فقد اهتدوا، فبقدرِ القُربِ من إِيمانهم لا إله إلا اللهتكون الهِداية، وهكذا.
ذلك أنَّ الله - جل جلاله - أخبر عن إيمانهم مقروناً بإيمان النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)} البقرة
واعلم أنَّ اللهَ تعالى أعلى شَأْنَهم، فأمر نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بِخَفْضِ الجناح لهم، فقال له
(١) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٩/ج ١٧/ص ١٢٤) كتاب صفات المنافقين.